وَلَكِنَّ هَذَا بِطَرِيقِ صَرْفِ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ وَنَحْنُ ادَّعَيْنَا أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْجَوَازِ هُنَا إلَّا هَذَا الطَّرِيقَ فَكَيْفَ مَا يَشْتَغِلُ بِهِ لَا يَخْرُجُ بِهِ الطَّرِيقُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا وَإِذَا اشْتَرَى ثَوْبًا وَعَشَرَةً بِثَوْبٍ وَعَشَرَةٍ (قُلْنَا) هُنَاكَ الْعَقْدُ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصْرِفَ الْجِنْسَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ فَإِنَّ الْقَبْضَ فِي مَجْلِسِ شَرْطِ بَقَاءِ الْعَقْدِ صَحِيحًا لَا شَرْطَ الِانْعِقَادِ صَحِيحًا وَنَحْنُ إنَّمَا صَحَّحْنَا هَذَا التَّصْحِيحَ الْعَقْدُ لَا لِلْبَقَاءِ صَحِيحًا فَلَا يَلْزَمُ
قَالَ: (وَإِنْ اشْتَرَى قَفِيزَ حِنْطَةٍ بِنِصْفِ قَفِيزٍ هُوَ أَجْوَدُ مِنْهُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْجَوْدَةِ فَنِصْفُ الْقَفِيزِ بِمُقَابَلَةِ نِصْفِ قَفِيزٍ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ أَدْنَى مَا يَكُونُ مَالُ الرِّبَا مِنْ الْحِنْطَةِ نِصْفُ قَفِيزٍ لِمَا بَيَّنَّا إنَّهَا إنَّمَا تَصِيرُ مَالَ الرِّبَا لِكَوْنِهَا مَكِيلًا وَالْمَكِيلُ مَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ بِالْكَيْلِ وَذَلِكَ يُوجَدُ فِي نِصْفِ قَفِيزٍ وَلَا يُوجَدُ فِيمَا دُونَهُ
وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْكُفُرَّى بِمَا يُنَاسِبُ مِنْ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّ الْكُفُرَّى لَيْسَ بِتَمْرٍ وَلَا يُكَالُ أَيْضًا وَلَا خَيْرَ فِيهِ إذَا كَانَ الْكُفُرَّى نَسِيئَةً لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ فِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَهُوَ عَدَدِيٌّ مُتَفَاوِتٌ فَإِنَّ آحَادَهُ تَتَفَاوَتُ فِي الْمَالِيَّةِ، قَالَ: (وَلَا خَيْرَ فِي التَّمْرِ بِالْبُسْرِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ الْبُسْرُ لَمْ يَحْمَرَّ وَلَمْ يَصْفَرَّ) لِأَنَّ الْبُسْرَ تَمْرٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّمْرَ اسْمٌ لِثَمَرَةٍ خَارِجَةٍ مِنْ النَّخْلِ مِنْ حِينَ تَنْعَقِدُ صُورَتُهَا إلَى أَنْ تُدْرَكَ فَأَمَّا فِي الْكُفُرَّى قَبْلَ انْعِقَادِ صُورَةِ التَّمْرِ فَلَا يَكُونُ تَمْرًا وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ صُنُوفِ التَّمْرِ فَلَا خَيْرَ فِي بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يَبْتَاعَ حِنْطَةً مُجَازَفَةً بِحِنْطَةٍ مُجَازَفَةٍ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْقَدْرِ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْعَقْدِ إذَا صَارَتْ الْأَمْوَالُ أَمْثَالًا مُتَسَاوِيَةً وَعِنْدَ الْبَيْعِ مُجَازَفَةً لَا تَظْهَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْقَدْرِ فَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ
قَالَ: (فَإِنْ تَبَايَعَ صُبْرَةً بِصُبْرَةٍ مُجَازَفَةً ثُمَّ كِلْنَا بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَتَا مُتَسَاوِيَيْنِ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ عِنْدَنَا) وَقَالَ: زُفَرُ يَجُوزُ لِأَنَّ مَا هُوَ شَرْطُ الْجَوَازِ وَهِيَ الْمُمَاثَلَةُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ فَجَازَ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ زَوَّجَتْ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلٍ وَهُنَاكَ شَاهِدَانِ يَسْمَعَانِ كَلَامَهُمَا وَالْمُتَعَاقِدَانِ لَا يَعْلَمَانِ ذَلِكَ كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ لِجَوَازِ الْعَقْدِ الْعِلْمُ بِالْمُسَاوَاةِ عِنْدَ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ كَانَ الْفَضْلُ مَعْدُومًا مَوْهُومًا وَمَا هُوَ مَوْهُومُ الْوُجُودِ يُجْعَلُ كَالْمُتَحَقِّقِ فِيمَا بَنَى أَمَرَهُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ كَمَا فِي الْعُقُوبَاتِ الَّتِي تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَلِأَنَّ بَابَ الرِّبَا مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَالْفَضْلُ الْمَوْهُومُ فِيهِ كَالْمُتَحَقِّقِ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ بِالْحِنْطَةِ وَزْنًا بِوَزْنِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ مَكِيلَةٌ فَشَرْطُ الْجَوَازِ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ فِي الْكَيْلِ وَبِالْمُسَاوَاةِ فِي الْوَزْنِ لَا تُعْلَمُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْكَيْلِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ فِي الْحِنْطَةِ وَزْنًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute