الْعَقْدَ عَلَى أَنَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا بِكَذَا وَبِالنَّقْدِ بِكَذَا أَوْ قَالَ إلَى شَهْرٍ بِكَذَا أَوْ إلَى شَهْرَيْنِ بِكَذَا فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَاطِهِ عَلَى ثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَلِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بِيَعٍ وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الشَّرْطَيْنِ فِي بِيَعٍ وَمُطْلَقُ النَّهْيِ يُوجِبُ الْفَسَادَ فِي الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ وَهَذَا إذَا افْتَرَقَا عَلَى هَذَا فَإِنْ كَانَ يَتَرَاضَيَانِ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى قَاطَعَهُ عَلَى ثَمَنٍ مَعْلُومٍ، وَأَتَمَّا الْعَقْدَ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُمَا مَا افْتَرَقَا إلَّا بَعْدَ تَمَامِ شَرَطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ
قَالَ وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَلَا يُوَلِّيهِ أَحَدًا وَلَا يُشْرِكُ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ تَمْلِيكُ مَا مُلِكَ بِمِثْلِ مَا مُلِكَ، وَالْإِشْرَاكُ تَمْلِيكُ نِصْفِهِ بِمِثْلِ مَا مُلِكَ بِهِ
وَالْكَلَامُ فِي بِيَعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي فُصُولِ أَحَدِهَا فِي الطَّعَامِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِمُشْتَرِي الطَّعَامِ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ» وَكَذَلِكَ مَا سِوَى الطَّعَامِ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَنَا، وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَصَّ الطَّعَامَ بِالذِّكْرِ عِنْدَ النَّهْيِ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِيمَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لِهَذَا التَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ وَحُجَّتُنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِغِيَاثِ بْنِ أَسَدٍ حِينَ وَجَّهَهُ إلَى مَكَّةَ قَاضِيًا وَأَمِيرًا سِرْ إلَى أَهْلِ بَيْتِ اللَّهِ وَانْهَهُمْ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضُوا» وَكَلِمَةُ (مَا) لِلتَّعْمِيمِ فِيمَا لَا يَعْقِلُ ثُمَّ تَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ عِنْدَنَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِيمَا عَدَاهُ بِخِلَافِهِ قَالَ اللَّه - تَعَالَى - {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: ٣٦] وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ كَيْفَ وَرَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ: وَأَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ عِنْدَ مَالِكٍ فِيمَا سِوَى الطَّعَامِ الْبَيْعَ لَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَعِنْدَنَا يَبْطُلُ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ كَمَا فِي الطَّعَامِ فَلِتَوَهُّمِ الْغَرَرِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِلتَّصَرُّفِ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ بِحَبْسِ الْبَائِعِ إيَّاهُ لِحَقِّهِ، وَالْإِجَارَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَالْبَيْعِ
وَأَمَّا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَتِمْ إلَّا بِالْقَبْضِ فَذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ فَيَقْبِضُهُ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَالْمَانِعُ زَائِدٌ عِنْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ مُلْزَمٌ بِنَفْسِهِ وَقَاسَ بِهِبَةِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: الْبَيْعُ أَسْرَعُ نَفَاذًا مِنْ الْهِبَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الشُّيُوعَ فِيمَا يُقْسَمُ يَمْنَعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute