للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي يُنْكِرُ مُضِيَّهُ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا سُقُوطَهُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَمَا فِي الْأَجَلِ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ حَادِثٌ فَإِنَّمَا يُحَالُ بِحُدُوثِهِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَاَلَّذِي يَدَّعِي مُضِيَّ الْخِيَارِ يُسْنِدُ الْبَيْعَ إلَى مَا قَبْلَ هَذِهِ السَّاعَةِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ وَإِذَا لَمْ يُصَدَّقْ فَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ فَلَا يَكُونُ مُضِيُّ مُدَّةِ الْخِيَارِ إلَّا بِمُضِيِّ أَيَّامِهَا

قَالَ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ دَارًا وَكَانَ لِلْبَائِعِ فِيهَا خِيَارٌ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شُفْعَةٌ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ رِضَاهُ بِالسَّبَبِ مَعَ شَرْطِ الْخِيَارِ، وَخُرُوجُ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا بِهِ وَوُجُوبُ الشُّفْعَةِ يَعْتَمِدُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لِدَفْعِ ضَرَرِ سُوءِ مُجَاوَرَةِ الْجَارِ الْحَادِثِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ قَالَ: وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ قَدْ انْقَطَعَ فَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ مِنْ جِهَتِهِ وَوُجُوبُ الشُّفْعَةِ تُعْتَمَدُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كُنْتُ بِعْتُ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَيْتُهَا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ صَارَ أَحَقَّ بِهَا مِلْكًا أَوْ تَصَرُّفًا فَيَتَحَقَّقُ ضَرَرُ سُوءِ مُجَاوَرَةِ الْجَارِ الْحَادِثِ فَكَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَدْفَعَ ذَلِكَ بِالْآخَرِ

قَالَ: وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: اذْهَبْ بِهَذِهِ السِّلْعَةِ فَانْظُرْ إلَيْهَا الْيَوْمَ، فَإِنْ رَضِيتَهَا فَهِيَ لَك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ إنْ رَضِيتَهَا الْيَوْمَ فَهِيَ لَكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ هُوَ بَاطِلٌ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ صَرَّحَ بِتَعْلِيقِ الْإِيجَابِ بِشَرْطِ الرِّضَا، وَإِيجَابُ الْبَيْعِ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ تَكَلَّمْتَ فَهِيَ لَكَ بِكَذَا، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا أَتَيَا بِمَعْنَى شَرْطِ الْخِيَارِ يَوْمًا وَالْمُعْتَبَرُ وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْمَعْنَى فَكَأَنَّهُ قَالَ: بِعْتُ مِنْكَ عَلَى أَنَّكَ بِالْخِيَارِ إلَى اللَّيْلِ، وَهَذَا لِأَنَّ حَمْلَ كَلَامِهِ عَلَى الصِّحَّةِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي الْكَلَامِ مُحْتَمَلٌ وَتَصْحِيحُ الْكَلَامِ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ طَرِيقٌ فِي الشَّرْعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ هِيَ لَكَ بِأَلْفٍ، فَإِنْ رَضِيتَهَا الْيَوْمَ وَإِلَّا فَرُدَّهَا عَلَيَّ

قَالَ: وَإِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فَاسْتَخْدَمَ الْجَارِيَةَ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِطُ الْخِيَارَ فِي شِرَاءِ الرَّقِيقِ لِهَذَا حَتَّى يَسْتَخْدِمَهُ فِي الْمُدَّةِ فَيَنْظُرُ أَيُوَافِقُهُ أَوْ لَا وَكَذَلِكَ إنْ رَكِبَ الدَّابَّةَ يَنْظُرُ إلَى سَيْرِهَا أَوْ لَبِسَ الْقَمِيصَ يَنْظُرُ إلَى قَدِّهِ عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَقْصُودَهُ إلَّا بِالِامْتِحَانِ وَلِأَجْلِهِ يَشْتَرِطُ الْخِيَارَ، وَالِامْتِحَانُ فِي الدَّابَّةِ بِالرُّكُوبِ وَالسَّيْرِ وَفِي الثَّوْبِ بِاللُّبْسِ، فَإِنْ لَبِسَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَانِيًا فَهَذَا مِنْهُ رِضًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى الِاخْتِيَارِ قَدْ تَمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>