للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يُعْتَبَرُ بِالْعَادَةِ

قَالَ، وَإِذَا اشْتَرَى مَتَاعًا بِحِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ شَيْءٍ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ تَمْلِيكٌ بِثَمَنِ مَا مُلِّكَ بِهِ مِنْ رِبْحٍ ضَمَّهُ إلَيْهِ فِي بَيْعِهِ، فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ فِي جِنْسِهِ يَتَحَقَّقُ هَذَا الْمَعْنَى فِيهِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَيْهِ

قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَبَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَلَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يَطْرَحَ رِبْحَهُ الْأَوَّلَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -: يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ مُسْتَقِلٌّ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا قَبْلَهُ مِنْ رِبْحٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَصْلُهُ هِبَةً أَوْ مِيرَاثًا أَوْ وَصِيَّةً فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْآخَرِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِمَا كَانَ قَبْلَهُ كَذَا هَذَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ بِالشِّرَاءِ الثَّانِي يَتَجَدَّدُ لَهُ مِلْكُ غَيْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بِثُبُوتِ سَبَبِهِ فَإِذَا كَانَ السَّبَبُ مُتَجَدِّدًا فَالْمِلْكُ الثَّابِتُ بِهِ كَذَلِكَ وَاخْتِلَافُ أَسْبَابِ الْمِلْكِ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْعَيْنِ وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَيْنٌ آخَرُ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ وَقَاسَ بِمَا لَوْ اسْتَفَادَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ زِيَادَةً مِنْ الْعَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ فِي الشِّرَاءِ الثَّانِي فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَفَادَ رِبْحًا قَبْلَ الشِّرَاءِ الثَّانِي وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: مَا اسْتَفَادَ مِنْ الرِّبْحِ إنَّمَا يُؤَكِّدُ حَقَّهُ فِيهِ بِالشِّرَاءِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ قَبْلَ شِرَائِهِ كَانَ حَقُّهُ فِيهِ يَعْرِضُ السُّقُوطَ بِأَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ وَالْمُؤَكَّدُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَالْمُوجِبِ فَكَأَنَّهُ اسْتَفَادَ ذَلِكَ بِالْعَقْدِ الثَّانِي وَبِهِ فَارَقَ الزِّيَادَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ مِنْ الْعَيْنِ فَتَأَكَّدَ حَقُّهُ فِيهَا لَمْ يَكُنْ بِالْعَقْدِ الثَّانِي وَلِأَنَّ مَبْنَى بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ عَلَى ضَمِّ الْمَعْقُودِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَا أَنْفَقَ فِي الْقِصَارَةِ وَالْقَتْلِ وَالْخِيَاطَةِ يُلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ فَإِذَا كَانَ يَضُمُّ بَعْضَ الْعُقُودِ إلَى بَعْضٍ فِيمَا يُوجِبُ زِيَادَةَ الثَّمَنِ فَلَأَنْ يَضُمَّ الْمَعْقُودَ إلَى بَعْضٍ فَيَنْظُرُ إلَى حَاصِلِ مَا غَرِمَ فِيهِ فَيَطْرَحُ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا رَجَعَ إلَيْهِ وَيَبِيعُ مُرَابَحَةً فِيمَا يُوجِبُ النُّقْصَانَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْلَى فَإِنَّ هَذَا إلَى الِاحْتِيَاطِ أَقْرَبُ وَلَكِنْ ضَمُّ الْعُقُودِ عِنْدَ اتِّحَادِ جِنْسِهَا فَأَمَّا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فَلَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَعَانَ بِخَيَّاطٍ حَتَّى خَاطَهُ لَمْ يُلْحِقْ بِسَبَبِهِ شَيْئًا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً لَا يَضُمُّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ تَبَرُّعٌ وَالْآخَرُ تِجَارَةٌ، فَأَمَّا إذَا اتَّحَدَ جِنْسُ الْعُقُودِ يَضُمُّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ فَيَنْظُرُ إلَى حَاصِلِ مَا عَزَمَ فِيهِ فَيَطْرَحُ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا رَجَعَ إلَيْهِ، وَيَبِيعُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا بَقِيَ إنْ شَاءَ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ غَرِمَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فِي دَفْعَتَيْنِ وَعَادَ إلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسَةٍ

قَالَ: وَلَوْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَهُ بِعِشْرِينَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>