للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْحَطِّ وَهَذَا وَصْفٌ مَشْرُوعٌ فِي الْبُيُوعِ وَالْبُيُوعُ أَنْوَاعٌ مِنْهُ: خَاسِرٌ، وَرَابِحٌ، وَعَدْلٌ فَعَرَفْنَا أَنَّهُمَا قَصَدَا تَعْبِيرَهُ إلَى وَصْفٍ مَشْرُوعٍ وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ الْعَقْدَ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا يَمْلِكَانِ التَّصَرُّفَ فِيهِ رَفْعًا وَإِبْقَاءً فَيَمْلِكَانِ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِالتَّغْيِيرِ مِنْ وَصْفٍ إلَى وَصْفٍ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي صِفَةِ الشَّيْءِ أَهْوَنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي أَصْلِهِ، فَإِذَا كَانَ بِاتِّفَاقِهِمَا يَمْلِكَانِ التَّصَرُّفَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ فَفِي صِفَتِهِ أَوْلَى فَأَمَّا قَوْلُهُ أَنَّهُ يَلْتَزِمُ الْعِوَضَ عَنْ مِلْكِهِ قُلْنَا: قِيَامُ الْعَقْدِ بِقِيَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.

وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَائِمٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ فَيَصِحُّ مِنْهُ الْتِزَامُ الْعِوَضِ بِمُقَابَلَتِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا لَا يَلْتَزِمُ الْعِوَضَ عَمَّا هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ أَصْلًا وَمَقْصُودًا فَأَمَّا رِبْحًا فَقَدْ يَلْتَزِمُ الْعِوَضَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَرْبَاحَ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا لَوْ حَصَلَ مِنْ الْمَرِيضِ كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ الثُّلُثِ، وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ وَالْعِوَضُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ دُونَ الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَطْرَافَ الْمَبِيعِ يُسْتَحَقُّ بِالْمُعَاوَضَةِ تَبَعًا وَلَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بَلْ الْعِوَضُ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ يُغْنِي عَنْ اعْتِبَارِ الْعِوَضِ بِمُقَابَلَةِ الْبَيْعِ فَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزِّيَادَةَ تَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ الْحَطُّ بِطَرِيقِ التَّغْيِيرِ لِأَصْلِ الْعَقْدِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الزِّيَادَةِ عِوَضًا، وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْعَتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ لَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ عِوَضًا مِنْ اعْتِبَارِ الْحَالِ ثُمَّ الِاسْتِنَادُ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إثْبَاتُهَا فِي الْحَالِ فَلَا يَظْهَرُ فِيهَا حُكْمُ الِاسْتِنَادِ كَمَا قُلْنَا فِي الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِجَارَةِ لِيَثْبُتَ الْمِلْكُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ وَبِالِاتِّفَاقِ فِي الْبَيْعِ يُشْتَرَطُ الْخِيَارُ عَلَى الْبَائِعِ وَعَلَى هَذَا إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَضَمِنَهَا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا عِوَضًا، وَهَذَا الِالْتِزَامُ صَحِيحٌ مِنْهُ.

فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْئًا كَمَا لَوْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ مَعَ أَجْنَبِيٍّ عَلَى مَالٍ وَضَمِنَهُ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ تَصَالَحَ مَعَ أَجْنَبِيٍّ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى مَالٍ وَضَمِنَهُ صَحَّ الصُّلْحُ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْمُلْتَزِمُ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْئًا عَلَى هَذَا الْحَطِّ إلَّا أَنَّ عَمَلَ الْحَطِّ فِي إخْرَاجِ قَدْرِ الْمَحْطُوطِ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فَالشَّرْطُ فِيهِ قِيَامُ الثَّمَنِ لَا قِيَامُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَالثَّمَنُ بَاقٍ فَثَبَتَ الْحَطُّ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ مُغَيِّرٌ لِوَصْفِ الْعَقْدِ وَلَيْسَ بِفَاسِخٍ لِلْعَقْدِ حَتَّى يُقَالَ الْفَسْخُ فِي الثَّمَنِ لَا يَكُونُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْحَطُّ بِسَبَبِ الْعَيْبِ، وَالْحَطُّ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مُلْتَحِقًا بِأَصْلِ الْعَقْدِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ حَطِّ الْجَمِيعِ فَإِنَّهُ مُغَيِّرٌ لِوَصْفِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَكُونُ مَغْبُونًا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَوْ الْتَحَقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>