وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِأَنَّ رَدَّ السَّلَامِ فَرْضٌ وَالِاسْتِمَاعَ سُنَّةٌ وَلَكِنَّا نَقُولُ: رَدُّ السَّلَامِ إنَّمَا يَكُونُ فَرِيضَةً إذَا كَانَ السَّلَامُ تَحِيَّةَ وَفِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ الْمُسْلِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ السَّلَامِ فَلَا يَكُونُ جَوَابُهُ فَرْضًا كَمَا فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ طَلَبُ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مِنْ تَارِيخِ الْمُنْزَلِ فَقَدْ كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِمْ لِيَعْرِفُوا آيَةَ النَّاسِخِ مِنْ الْمَنْسُوخِ وَقَدْ جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ اللَّغْوِ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ فَكَذَلِكَ رَدُّ السَّلَامِ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْخَطِيبَ إذَا قَالَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٥٦] يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ لِأَنَّهُ يُبَلِّغُهُمْ أَمْرًا فَعَلَيْهِمْ الِامْتِثَالُ. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ حَالَةَ الْخُطْبَةِ كَحَالَةِ الصَّلَاةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْكَلَامِ فَكَمَا أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ فِي صَلَاتِهِ لَمْ يَشْتَغِلْ الْقَوْمُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ إذَا قَرَأَهَا فِي خُطْبَتِهِ
(قَالَ): الْإِمَامُ إذَا خَرَجَ فَخُرُوجُهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُكْرَهَ افْتِتَاحُهَا بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَيَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ فِيهَا أَنْ يَفْرُغَ مِنْهَا يَعْنِي يُسَلِّمَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مَوْقُوفًا عَلَيْهِمَا وَمَرْفُوعًا «إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ» وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: الصَّلَاةُ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ خَطِيئَةٌ وَلِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ وَاجِبٌ وَالصَّلَاةُ تَشْغَلُهُ عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ الِاشْتِغَالُ بِالتَّطَوُّعِ وَتَرْكِ الْوَاجِبِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يَأْتِي بِالسُّنَّةِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إذَا دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ لِحَدِيثِ «سُلَيْكٍ الْغَطَفَانِيِّ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ فَجَلَسَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرَكَعْت رَكْعَتَيْنِ؟ فَقَالَ: لَا فَقَالَ: قُمْ فَارْكَعْهُمَا» وَدَخَلَ أَبُو الدَّرْدَاءِ الْمَسْجِدَ وَمَرْوَانُ يَخْطُبُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: لَا أَتْرُكُهُمَا بَعْدَ مَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِيهِمَا مَا قَالَ. وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ سُلَيْكٍ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ وُجُوبِ الِاسْتِمَاعِ وَنُزُولِ قَوْلِهِ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ} [الأعراف: ٢٠٤] وَقِيلَ لِمَا دَخَلَ وَعَلَيْهِ هَيْئَةٌ رَثَّةٌ تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخُطْبَةَ لِأَجْلِهِ وَانْتَظَرَهُ حَتَّى قَامَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَالْمُرَادُ أَنْ يَرَى النَّاسُ سُوءَ حَالِهِ فَيُوَاسُوهُ بِشَيْءٍ وَفِي زَمَانِنَا الْخَطِيبُ لَا يَتْرُكُ الْخُطْبَةَ لِأَجْلِ الدَّاخِلِ فَلَا يَشْتَغِلُ هُوَ بِالصَّلَاةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يُكْرَهُ الْكَلَامُ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْخُطْبَةِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِالصَّلَاةِ كَمَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَلَا يُكْرَهُ الْكَلَامُ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «خُرُوجُ الْإِمَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute