عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَمْنَعُ عَلَى قِيَاسِ مَسْأَلَةِ التَّحَالُفِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ فَهِيَ نَوْعَانِ: عَيْنٌ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْأَصْلِ كَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ فَلَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَلَكِنَّ الزِّيَادَةَ تُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ ثُمَّ الْكَسْبُ وَالْغَلَّةُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَسَلَامَةُ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُشْتَرِي لَا تَمْنَعُ رَدَّ الْأَصْلِ بِالْعَيْبِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ سَلَامَةُ بَدَلِ الْمَنْفَعَةِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ الَّتِي هِيَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْأَصْلِ كَاللَّبَنِ وَالثِّمَارِ وَالْوَلَدِ، الْعَقْدُ إذَا وُطِئَتْ الْجَارِيَةُ بِالشُّبْهَةِ وَالْأَرْشُ إذَا جَنَى عَلَيْهَا بَعْدَمَا قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَهُوَ يَمْنَعُ رَدَّ الْأَصْلِ بِالْعَيْبِ عِنْدَنَا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَمْنَعُ وَلَكِنْ يُرَدُّ الْأَصْلُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَالزِّيَادَةُ تُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ تُمَلَّكُ بِسَبَبِ مِلْكِ الْأَصْلِ فَلَا يُمْنَعُ رَدُّ الْأَصْلِ بِالْعَيْبِ كَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ وَتَأْثِيرُهُ أَنَّهُ لَا يُقَابِلُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً لَا عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ فَكَانَ جَمِيعُ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ إذَا هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْأَصْلَ بِالْعَيْبِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ اسْتَهْلَكَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ بِمَبِيعَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَا يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ فَلَوْ صَارَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مَبِيعَةً لَقَابَلَهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا قُلْتُمْ فِي الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي مَعَ الْأَصْلِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ بِعَيْبٍ إذَا وُجِدَ بِهَا فَلَوْ صَارَتْ مَبِيعَةً لَثَبَتَ فِيهَا حُكْمُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَيَجُوزُ فَسْخُ سَبَبِ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ مَعَ بَقَاءِ الزِّيَادَةِ سَالِمَةً لِلْمُتَمَلِّكِ كَالْمَوْهُوبَةِ إذَا زَادَتْ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِيهَا تَبْقَى الزِّيَادَةُ سَالِمَةً لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ تَمَلُّكَ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ تَمَلُّكُ مَبِيعٍ فَلَوْ رَدَّ الْأَصْلَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لَبَقِيَتْ الزِّيَادَةُ لَهُ مَبِيعًا بِلَا ثَمَنٍ وَذَلِكَ رِبًا وَبَيَانُ هَذَا أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِمِلْكِ الزِّيَادَةِ سِوَى التَّوَلُّدِ مِنْ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَسْرِي إلَيْهَا الْمِلْكُ الثَّابِتُ فِي الْأَصْلِ وَمِلْكُهُ فِي الْأَصْلِ مِلْكٌ مَبِيعٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمِلْكَ يَثْبُتُ لَهُ بِالشِّرَاءِ وَمَا ثَبَتَ فَهُوَ بَاقٍ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ مَنْفِيٍّ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ ذَلِكَ الْمِلْكِ التَّصَرُّفُ فِي الْعَقْدِ بِالْإِقَالَةِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مِلْكَهُ فِي الْأَصْلِ مِلْكٌ مَبِيعٌ فَذَلِكَ الْمِلْكُ يَسْرِي إلَى الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ عَيْنِ الشَّيْءِ يَكُونُ بِصِفَتِهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبَةِ وَوَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ يَكُونُ الْمِلْكُ فِيهِ بِصِفَةِ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ وَبِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute