لُزُومُ الْإِحْرَامِ فَلِحَقِّ الشَّرْعِ وَحَقُّ الْآدَمِيِّ فِي الْمَحَلِّ مُقَدَّمٌ؛ فَلِهَذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحَلِّلَهَا وَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ إزَالَةِ الْعَيْبِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا كَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا وَالزَّوْجُ يَسْتَنِدُ بِالرَّجْعَةِ إلَّا إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ فَحِينَئِذٍ لَا يَرُدُّهَا لِزَوَالِ الْعَيْبِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ مَوْتٍ فَلَيْسَ هَذَا بِعَيْبٍ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَعُدُّهُ التُّجَّارُ عَيْبًا فَالْعَيْبُ هُوَ النِّكَاحُ وَقَدْ انْقَطَعَ وَالْحُرْمَةُ بِهَذَا السَّبَبِ نَظِيرُ الْحُرْمَةِ بِسَبَبِ الْحَيْضِ كَمَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ عَيْبًا، فَهَذَا مِثْلُهُ.
وَإِذَا وَجَدَ بِالْجَارِيَةِ عَيْبًا فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهَا فَقَالَ الْبَائِعُ: مَا هَذِهِ بِجَارِيَتِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ وَالرَّدُّ بِحُكْمِهِ لَا يَنْفَرِدُ الْمُشْتَرِي بِهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي ثُبُوتَ حَقِّ الرَّدِّ لَهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ.
وَإِنْ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَقَالَ وَجَدْتُهَا ثَيِّبًا لَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْبَكَارَةَ فِي النِّسَاءِ أَصْلٌ فَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي عَارِضًا لِيُثْبِتَ لِنَفْسِهِ حَقَّ الرَّدِّ بِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الْعَيْبِ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ.
قَالَ وَإِذَا اشْتَرَى جَوْزًا أَوْ بَيْضًا فَوَجَدَهُ فَاسِدًا كُلَّهُ وَقَدْ كَسَرَهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ كُلَّهُ، أَمَّا الْبَيْضُ فَالْفَاسِدُ مِنْهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ إذْ هُوَ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ وَلَا قِيمَةَ لِقِشْرِهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ كَانَ بَاطِلًا وَأَمَّا الْجَوْزُ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ اللُّبُّ دُونَ الْقِشْرِ وَلَا قِيمَةَ لِقِشْرِهِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا الْحَطَبُ وَفِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَنْدُرُ فِيهِ الْحَطَبُ فَإِنْ كَانَ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ لَكِنَّ مَالِيَّةَ الْجَوْزِ قَبْلَ الْكَسْرِ بِاعْتِبَارِ اللُّبِّ دُونَ الْقِشْرِ، فَإِذَا كَانَ حَادِثًا أَنَّ مُنْتِنَ اللُّبِّ لَا يَصْلُحُ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ فَكَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا فَأَمَّا إذَا كَانَ قَلِيلَ اللُّبِّ أَوْ أَسْوَدَ اللُّبِّ، فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ، فَإِذَا وَجَدَهُ كَذَلِكَ بَعْدَ الْكَسْرِ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَرُدُّهُ، وَكَذَلِكَ الْبِطِّيخُ وَالْقَرْعُ وَالْفَاكِهَةُ إذَا وَجَدَهَا فَاسِدَةً كُلَّهَا بَعْدَمَا يَكْسِرُهَا فَإِنْ كَانَتْ لَا تُسَاوِي شَيْئًا رَجَعَ جَمِيعُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ يَأْكُلُهَا بَعْضُ النَّاسِ أَوْ تَصْلُحُ لِعَلْفِ الدَّوَابِّ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ وَلَا طَرِيقَ لَهُ إلَى مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ سِوَى الْكَسْرِ وَلَا يَصِيرُ ذَلِكَ مَانِعًا حَقَّهُ فِي الرَّدِّ وَهَذَا لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَاجِبٌ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَالْبَائِعُ هُوَ الَّذِي سَلَّطَهُ عَلَى الْكَسْرِ فَكَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الْكَسْرُ عَيْبٌ حَادِثٌ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute