الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِأَنْ يُقَوَّمَ سَارِقًا وَغَيْرَ سَارِقٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ قَطْعَ الْيَدِ كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْيَدُ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَيَنْتَقِضُ قَبْضُ الْمُشْتَرِي فِي النِّصْفِ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ مَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا فِي نِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ مَا كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً فِي يَدِ الْبَائِعِ، أَلَا تَرَى أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنْ السِّرَايَةِ بِأَنْ لَا يَقْطَعَ فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَلَا فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَأَنْ يَحْسِمَ بَعْدَ الْقَطْعِ فَقَبْضُ الْمُشْتَرِي لَا يَنْتَقِضُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي، وَإِنْ سَرَى.
قَالَ: وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَعَبْدًا فَزَوَّجَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ بِهِمَا عَيْبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِيهِمَا عَيْبٌ حَادِثٌ عِنْدَهُ فَإِنْ أَبَانَهَا وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُمَا لِزَوَالِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ وَلَمْ يَجِبْ الْمَهْرُ بِهَذَا النِّكَاحِ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا.
قَالَ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ اشْتَرَى هَذَا الْعَبْدَ وَهَذَا الْعَيْبُ بِهِ وَشَهِدَ آخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِهِ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ لِاخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ فَأَحَدُهُمَا يَشْهَدُ بِقَوْلٍ وَالْآخَرُ بِعَيْبٍ مُعَايَنٍ وَلَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ.
وَلَوْ بَاعَ عَبْدَهُ مِنْ نَفْسِهِ بِجَارِيَةٍ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَيَأْخُذَ مِنْهُ قِيمَةَ نَفْسِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُف رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَكَانَ يَقُولُ أَوْ لَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمَوْلَى وَاسْتُحِقَّتْ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ عِنْدَ الْمَوْلَى حَتَّى تَعَذَّرَ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ فَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ مِنْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ.
وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ فَعِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَكُونُ رُجُوعُهُ بِقِيمَةِ مَا هُوَ بَدَلٌ لَهُ كَمَا فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ إذَا اُسْتُحِقَّ الْبَدَلُ وَكَانَ بِعَيْنِهِ رَجَعَ بِقِيمَتِهِ وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى فِي هَذَا الْعَقْدِ الْإِعْتَاقُ فَإِنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَيَوَانَ يُثْبِتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بِمُقَابَلَتِهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَعْتِقُ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى حَتَّى يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ وَإِنَّ الْوَكِيلَ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى فِي هَذَا الْعَقْدِ لَا يَكُونُ لَهُ قَبْضُ الْبَدَلِ وَلَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِ الْعَبْدِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَالْأَجَلُ إلَى الْحَصَادِ وَنَحْوِهِ يَثْبُتُ فِي بَدَلِهِ وَأَنَّ الْبَدَلَ لَا يُرَدُّ إلَّا بِالْعَيْبِ الْفَاحِشِ عَرَفْنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute