ثُمَّ عَجَزَتْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّهَا بِالْكِتَابَةِ صَارَتْ كَالْخَارِجَةِ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى يَغْرَمَ بِوَطْئِهَا الْعَقْدَ لَهَا وَيَغْرَمُ الْأَرْشَ لَهَا لَوْ جَنَى عَلَيْهَا يُوَضِّحُهُ أَنَّهَا صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ يَدًا فَتَكُونُ مَمْلُوكَةً لَهُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ نِصْفَهَا ثُمَّ اشْتَرَى الْبَاقِي وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ إنْسَانٍ ثُمَّ فَارَقَهَا الزَّوْجُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ زَالَ عَنْهُ بِالتَّزْوِيجِ فَكَذَلِكَ بِالْكِتَابَةِ وَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّهَا بَعْدَ الْكِتَابَةِ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ فَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» وَالْعَبْدُ يَكُونُ مَمْلُوكًا لِمَوْلَاهُ فَكَيْفَ يُقَالُ زَالَ مِلْكُهُ وَانْحَلَّ وَإِنَّمَا كَاتَبَهُ لِيَعْتِقَ عَلَى مِلْكِهِ إلَّا أَنَّ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ يَثْبُتُ لَهَا مِلْكُ الْيَدِ فِي مَنَافِعِهَا وَمَكَاسِبِهَا وَمِلْكُ الْحِلِّ لَا يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَنْبَنِي عَلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَبِسَبَبِ الْكِتَابَةِ لَا يَخْتَلُّ مِلْكُ الرَّقَبَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنَّمَا يَغْرَمُ الْأَرْشَ وَالْعَقْدَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْكَسْبِ وَقَدْ جَعَلَهَا أَحَقَّ بِكَسْبِهَا، فَإِذَا عَجَزَتْ فَإِنَّمَا تَقَرَّرَ لَهُ الْمِلْكُ الَّذِي كَانَ بَاقِيًا فَلَمْ يَحْدُثْ مِلْكُ الْحِلِّ بِسَبَبِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ فَأَمَّا الزَّوْجَةُ إذَا فَارَقَهَا زَوْجُهَا.
فَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ بِسَبَبٍ يُوجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ فَالْعِدَّةُ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ، وَهُوَ حَقُّ النِّكَاحِ لَا حَقَّ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَشَارَ إلَيْهِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهَا حَلَّتْ لِغَيْرِهِ، فَإِذَا حَلَّتْ لَهُ كَانَ ذَلِكَ حِلًّا مُتَجَدِّدًا وَفِي الْكِتَابَة مَا حَلَّتْ لِغَيْرِهِ حَتَّى يَجْعَلَ ذَلِكَ حِلًّا مُتَجَدِّدًا لَهُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ الِاسْتِبْرَاءُ لَكَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِ مِلْكِ النِّكَاحِ الثَّابِتِ لِلزَّوْجِ وَالْوَظِيفَةُ فِي النِّكَاحِ الْعِدَّةُ دُونَ الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَجِبْ عِنْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مَا هُوَ وَظِيفَةُ النِّكَاحِ فَلَأَنْ لَا يَجِبَ أَوْلَى، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا كَانَتْ حُرَّةً كَانَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ عَقِيبَ الطَّلَاقِ وَيَطَؤُهَا زَوْجُهَا بِالنِّكَاحِ فَكَذَلِكَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَطَأَ أَمَتَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ بِالْمِلْكِ.
وَلَوْ وَهَبَهَا لِوَلَدٍ لَهُ صَغِيرٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ثُمَّ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ مِنْهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا لِحُدُوثِ مِلْكِ الْحِلِّ لَهُ بِسَبَبِ تَجَدُّدِ مِلْكِ الرَّقَبَة، وَلَوْ بَاعَهَا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثُمَّ نَقَضَ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ مِلْكُ الْحِلِّ لَهُ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ وَالْحِلُّ الَّذِي كَانَ لَهُ بَاقٍ فِي مُدَّةِ خِيَارِهِ فَبِفَسْخِ الْبَيْعِ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ مِلْكُ الْحِلِّ فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَرَدَّهَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَمْلِكْهَا مَعَ بَقَاءِ خِيَارِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ مَلَكَهَا ثُمَّ رَدَّهَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ كَرَدِّهَا بِخِيَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute