فَالْقَاضِي إنَّمَا يَمْنَعُ رُجُوعَهُ بِقَضَائِهِ لِأَجْلِ الْبِنَاءِ لَا أَنْ يَسْقُطَ حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ.
فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَهُنَا الْقَاضِي مُسْقِطٌ لِخِيَارِهِ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ مُحْتَمِلٌ لِلسُّقُوطِ فَبَعْدَمَا سَقَطَ خِيَارُهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يُمْكِنُ مِنْ الرَّدِّ بِحُكْمِهِ قَالَ، وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى رَدِّهِ فِي الثَّلَاثَةِ بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ حُمَّ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْبَائِعُ ثُمَّ أَقْلَعَتْ عَنْهُ الْحُمَّى وَعَادَ إلَى الصِّحَّةِ فِي الثَّلَاثَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَهُوَ لَازِمٌ لِلْبَائِعِ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَهُوَ صَحِيحٌ فَعَادَ فَسْخُهُ إلَى ذَلِكَ الْبَائِعِ ثُمَّ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ، فَإِذَا أَقْلَعَتْ الْحُمَّى فَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْعَيْبُ وَسَقَطَ مَا كَانَ مِنْ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ كَمَا لَوْ حَدَثَ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي كَانَ لَازِمًا لِلْمُشْتَرِي وَلَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَكَذَلِكَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَلَوْ خَاصَمَهُ وَالْحُمَّى بِهِ فَأَبْطَلَ الْقَاضِي الرَّدَّ وَأَلْزَمَهُ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفَسْخَ بَطَلَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ إذَا أَبْطَلَهُ الْقَاضِي لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ.
قَالَ: وَلَوْ جُرِحَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي جُرْحًا لَهُ أَرْشٌ أَوْ جَرَحَهُ هُوَ أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَوَطِئَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ أَمَّا إذَا جَرَحَهَا هُوَ فَلِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ اكْتِسَابٌ مِنْهُ لِلسَّبَبِ الْمُسْقِطِ لِخِيَارِهِ؛ لِأَنَّهُ يُعْجِزُهُ عَنْ رَدِّهَا كَمَا قَبَضَهَا وَإِنْ جَرَحَهَا غَيْرُهُ فَلِمَا حَدَثَ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ وَهُوَ الْأَرْشُ، وَكَذَلِكَ إنْ وَطِئَهَا غَيْرُهُ فَإِنْ وَطِئَهَا هُوَ فَإِقْدَامُهُ عَلَى الْوَطْءِ يَكُونُ رِضًا مِنْهُ بِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ فِيهَا وَذَلِكَ مُسْقِطٌ لِخِيَارِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا وَلَدَتْ فَمَاتَ وَلَدُهَا أَوْ لَمْ يَمُتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ أَمَّا إذَا بَقِيَ الْوَلَدُ فَلِلزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ وَأَمَّا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ فَلِلنُّقْصَانِ الْحَادِثِ فِي يَدِهِ بِالْوِلَادَةِ، وَلَوْ كَانَتْ دَابَّةً أَوْ شَاةً فَوَلَدَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا لَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَلَا بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِلزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَ وَلَدَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَتْلِ حَابِسٌ لِلزِّيَادَةِ فَكَأَنَّهَا قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ وَإِذَا كَانَ الْقَاتِلُ غَيْرَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ قِيمَةَ الْوَلَدِ وَبَقَاءُ قِيمَتِهِ فِي يَدِهِ كَبَقَاءِ عَيْنِهِ، وَلَوْ مَاتَ مَوْتًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمَّا هَلَكَتْ بِغَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ صَارَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ وَالْوِلَادَةُ لَا تَكُونُ عَيْبًا فِيهَا فَإِنَّ الْوِلَادَةَ فِي الْبَهَائِمِ لَا تَكُونُ نُقْصَانًا فَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا.
قَالَ: وَلَوْ أَنَّ الْبَائِعَ جَرَحَهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ قَتَلَهَا وَجَبَ الْبَيْعُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَعَلَى الْبَائِعِ الْقِيمَةُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ أَمَّا فِي الْقَتْلِ فَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَجَزَ عَنْ رَدِّهَا بَعْدَمَا قُتِلَتْ وَقَدْ صَارَ الْبَائِعُ مِنْهَا كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَكَمَا أَنَّهُ لَوْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ آخَرُ يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ قِيمَتُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute