أَنَّ هَلَاكَ الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ كَهَلَاكِ الْمَبِيعِ.
فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى بِفُلُوسٍ شَيْئًا فَكَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فُلُوسٌ رَائِجَةٌ، فَإِذَا كَسَدَتْ الْفُلُوسُ فَقَدْ هَلَكَ الثَّمَنُ وَمَا يُنْقِصُ الْعَقْدَ بِهَلَاكٍ إذَا تَعَذَّرَ قَبْضُهُ ثَبَتَ لِلْعَاقِدِ حَقُّ الْفَسْخِ كَالْمَبِيعِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] وَالْمُشْتَرِي حِينَ أَفْلَسَ بِالثَّمَنِ قَدْ اسْتَحَقَّ النَّظِرَةَ شَرْعًا، وَلَوْ أَجَّلَهُ الْبَائِعُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ، فَإِذَا صَارَ مُنْظَرًا بِإِنْظَارِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى أَنْ يَتَمَكَّنَ الْبَائِعُ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ فَقَدْ ذَكَرَ الْخَصَّاصُ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ فَوَجَدَ رَجُلٌ عِنْدَهُ مَتَاعَهُ فَهُوَ فِي مَالِهِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ أَوْ قَالَ فَهُوَ أُسْوَةُ غُرَمَائِهِ فِيهِ» وَتَأْوِيلُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَانَ قَدْ قَبَضَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ أَوْ مَعَ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ وَبِهِ نَقُولُ: إنَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِلْبَائِعِ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ وَالْمَعْنَى فِيهِ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى الْبَائِعِ شَرْطُ عَقْدِهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي مَلِيًّا وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ مِلْكُ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْيَمِينَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ وَيَمْلِكُ بِهِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ بِالْعَقْدِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَبَقَاءُ الدَّيْنِ بِبَقَاءِ مَحَلِّهِ وَالذِّمَّةُ بَعْدَ الْإِفْلَاسِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِفْلَاسِ مَحَلٌّ صَالِحٌ لِوُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ فَأَمَّا حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ فَثَابِتٌ لِلْبَائِعِ بِسَبَبِ مِلْكِهِ لَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ إسْقَاطُهُ بِالْإِبْرَاءِ وَبِالِاسْتِبْدَالِ وَقَبْضُ الْبَدَلِ إذَا صَارَ مُسْتَحَقًّا بِالْبَيْعِ لَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ بِالِاسْتِبْدَالِ وَقَبْضُ الْبَدَلِ إذَا صَارَ مُسْتَحَقًّا بِالْبَيْعِ لَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ بِالِاسْتِبْدَالِ كَمَا فِي الْبَيْعِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا فَعَرَفْنَا أَنَّ حَقَّ قَبْضِ الثَّمَنِ لَهُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ لَا أَنْ يَكُونَ مُوجِبَ الْعَقْدِ فَبِتَعَذُّرِهِ لَا يَتَغَيَّرُ شَرْطُ الْعَقْدِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ قُدْرَةَ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الْعَقْدِ فَلَوْ كَانَ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ لَكَانَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ شَرْطًا لِجَوَازِ الْعَقْدِ كَمَا فِي جَانِبِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ عَيْنًا لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا كَالتَّسْلِيمِ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ بِهِ لِلْعَاقِدِ وَهُوَ الْأَجَلُ وَلَمَّا جَازَ الشِّرَاءُ بِالدِّرْهَمِ حَالًّا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ عَرَفْنَا أَنَّ وُجُوبَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لَيْسَ مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ وَبِهَذَا الْحَرْفِ يُسْتَدَلُّ فِي الْمَسْأَلَةِ ابْتِدَاءً فَإِنَّ الْعَجْزَ عَنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إذَا طَرَأَ بِالْإِفْلَاسِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إذَا اقْتَرَنَ بِالْعَقْدِ.
وَالْمُفْلِسُ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا وَالْبَائِعُ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُفْلِسٌ صَحَّ الْعَقْدُ وَلَزِمَ فَبِالْإِفْلَاسِ الطَّارِئِ لَأَنْ لَا تَرْتَفِعَ صِفَةُ اللُّزُومِ أَوْلَى بِخِلَافِ جَانِبِ الْمَبِيعِ فَهُنَاكَ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ لِإِبَاقِ الْعَبْدِ لَا يَجُوزُ فَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute