للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ النُّقْرَةِ السَّوْدَاءِ إلَّا الدَّرَاهِمَ التِّجَارِيَّةَ حَتَّى إنَّهُ لَوْ بَاعَ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ بِيضٍ، وَقَبَضَ مَكَانَ الدَّرَاهِمِ الْبِيضِ التِّجَارِيَّةَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ اسْتِبْدَالًا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَ الدَّرَاهِمَ فَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ ضَرْبًا آخَرَ مِنْ الدَّنَانِيرِ سِوَى مَا عَيَّنَهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهُ فَإِنْ رَضِيَ بِهِ كَانَ مُسْتَوْفِيًا لَا مُسْتَبْدِلًا لِكَوْنِ الْجِنْسِ وَاحِدًا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَا عَيَّنَهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَإِنَّمَا اسْتَوْجَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذِمَّةِ صَاحِبِهِ مِثْلَ الْمُسَمَّى، وَقِيلَ هَذَا إذَا أَعْطَاهُ ضَرْبًا هُوَ دُونَ الْمُسَمَّى فَإِنْ أَعْطَاهُ ضَرْبًا هُوَ فَوْقَ الْمُسَمَّى فَلَا حَاجَةَ إلَى رِضَا مُشْتَرِي الدَّنَانِيرِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَاهُ حَقَّهُ، وَزِيَادَةً إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ فَإِنَّهُ يَقُولُ هُوَ مُتَبَرِّعٌ عَلَيْهِ بِزِيَادَةِ صِفَةٍ فَلَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ تَبَرُّعَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي السَّلَمِ.

وَلَوْ اشْتَرَى أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَمْ يُسَمِّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا شَيْئًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقْدُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ هِيَ الْمُعَامَلَةُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ، وَإِلَيْهِ يَنْصَرِفُ مُطْلَقُ التَّسْمِيَةِ، وَالتَّعْيِينُ بِالْعُرْفِ كَالتَّعْيِينِ بِالنَّصِّ يَقُولُ: وَإِذَا كَانَ بِالْكُوفَةِ فَهُوَ عَلَى دَنَانِيرَ كُوفِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فِي الْبُلْدَانِ تَخْتَلِفُ وَتَتَفَاوَتُ فِي الْعِيَارِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ الْإِنْسَانُ بِمَا هُوَ النَّقْدُ الْمَعْرُوفُ فِيهَا فَإِذَا كَانَ بِبَلَدٍ نَقْدٌ مُخْتَلِفٌ مُتَفَاضِلٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ ضَرْبًا مِنْ ذَلِكَ مَعْلُومًا، وَالضَّرْبُ الْمَعْلُومُ أَنْ يَذْكُرَ مِنْ الدِّينَارِ نَيْسَابُورِيًّا، أَوْ كُوفِيًّا وَنَحْوَهُ، وَمِنْ الدَّرَاهِمِ عِطْرَبَعْثِيًّا، أَوْ مُؤَيَّدِيًّا، وَنَحْوَهُ إذَا كَانَتْ النُّقُودُ فِي الرَّوَاجِ سَوَاءً؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَرْجِيحُ بَعْضِهِ عِنْدَ إطْلَاقِ التَّسْمِيَةِ فَيَبْقَى الْمُسَمَّى مَجْهُولًا، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَالْمُطَالِبُ يُطَالِبُ بِأَعْلَى النُّقُودِ، وَالْمَطْلُوبُ بِأَدْنَى النُّقُودِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْتَجُّ بِمُطْلَقِ التَّسْمِيَةِ فَلِهَذَا فَسَدَ الْعَقْدُ إذَا لَمْ يُسَمِّيَا ضَرْبًا مَعْلُومًا، وَإِنْ كَانَ نَقْدًا مِنْ ذَلِكَ مَعْرُوفًا، وَشَرَطَا فِي الْعَقْدِ نَقْدًا آخَرَ فَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ عَلَى النَّقْدِ الْمَشْرُوطِ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ النَّقْدِ الْغَالِبُ بِالْعُرْفِ، وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ عِنْدَ التَّنْصِيصِ بِخِلَافِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ تَقْدِيمَ الْمَائِدَةِ بَيْنَ يَدَيْ الْإِنْسَانِ إذْنٌ بِالتَّنَاوُلِ لِلْعُرْفِ، ثُمَّ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ إذَا قَالَ لَا تَأْكُلْ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: شَرَطْتَ لِي كَذَا؛ لِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ النَّقْدِ الْمَعْرُوفِ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ أَشْتَرِطْ لَك ذَلِكَ فَعَلَيْهِمَا الثَّمَنُ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي صِفَةِ الثَّمَنِ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي مِقْدَارِهِ لِأَنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ، وَالدَّيْنُ يُعْرَفُ بِصِفَتِهِ، وَالْجَيِّدُ مِنْهُ غَيْرُ الرَّدِيءِ حَتَّى إذَا حَضَرَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ الْآخَرِ، وَاخْتِلَافُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الثَّمَنِ يُوجِبُ التَّحَالُفَ بِالنَّصِّ فَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ كَإِقْرَارِهِ، وَإِنْ تَحَالَفَا تَرَادَّا، وَإِنْ قَامَتْ لَهُمَا الْبَيِّنَةُ أُخِذَتْ بَيِّنَةُ الَّذِي يَدَّعِي الْفَضْلَ مِنْهُمَا لِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ فِيهَا.

قَالَ: وَإِذَا ابْتَاعَ الرَّجُلُ سَيْفًا مُحَلَّى بِفِضَّةٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>