للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِقْرَاضِ فِيهِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَإِنَّمَا اسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَيْتِ الْمَالِ حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ يَقْضِي مَا اسْتَقْرَضَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ، وَبَيْتُ الْمَالِ يَثْبُتُ لَهُ، وَعَلَيْهِ حُقُوقٌ مَجْهُولَةٌ، وَقِيلَ: كَانَ اسْتَسْلَفَ فِي الصَّدَقَةِ بِكْرًا فَإِنَّ الِاسْتِسْلَافَ، وَالِاسْتِقْرَاضَ يَتَفَاوَتُ، ثُمَّ لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ فَرَدَّهُ بَعْدَ مَا صَارَ رُبَاعِيًّا، وَقِيلَ: هَذَا كَانَ وَقْتَ كَانَ الْحَيَوَانُ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ، ثُمَّ انْتَسَخَ ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْغَصْبِ فَإِنْ قَبَضَ الْحَيَوَانَ بِحُكْمِ الْقَرْضِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ، وَلَوْ بَاعَهُ نَفَذَ بَيْعُهُ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ قَرْضٍ فَاسِدٍ بِمَنْزِلَةِ الْمَقْبُوضِ بِحُكْمِ بَيْعٍ فَاسِدٍ؛ إذْ الْفَاسِدُ مُعْتَبَرٌ بِالْجَائِزِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَ الْفَاسِدَ أَصْلًا فِي مَعْرِفَةِ حِلِّهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يَرِدُ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ بِالْجَائِزِ، وَكَذَلِكَ الْعَقَارُ، وَالثِّيَابُ الِاسْتِقْرَاضُ فِيهَا كَالِاسْتِقْرَاضِ فِي الْحَيَوَانِ، وَفَرَّقَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بَيْنَ السَّلَمِ، وَالْقَرْضِ فِي الثِّيَابِ فَقَالُوا: الثِّيَابُ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثُبُوتًا صَحِيحًا إلَّا مُؤَجَّلًا، وَالْقَرْضُ لَا يَكُونُ إلَّا حَالًّا، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ إعْلَامُ الْمَالِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى فِيهِ تَفَاوُتٌ إلَّا يَسِيرًا لِيَكُونَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ مَعْلُومًا لِلْعَاقِدِ، وَذَلِكَ فِي الثِّيَابِ بِذِكْرِ الْوَصْفِ مُمْكِنٌ أَمَّا فِي بَابِ الْقَرْضِ فَالشَّرْطُ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْعَيْنِ الْمَقْبُوضَةِ وَصِفَةِ الْمَالِيَّةِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الثِّيَابِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْمِثْلِ عِنْدَ الِاسْتِهْلَاكِ؛ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِقْرَاضُ فِيهَا. .

وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إقْرَاضُ الْخَشَبِ، وَالْحَطَبِ، وَالْقَصَبِ وَالرَّيَاحِينِ الرَّطْبَةِ، وَالْبُقُولِ؛ لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الِاسْتِهْلَاكِ فَأَمَّا الْحِنَّاءُ، وَالْوَسْمَةُ، وَالرَّيَاحِينُ الْيَابِسَةُ الَّتِي تُكَالُ لَا بَأْسَ بِاسْتِقْرَاضِهَا؛ لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْمِثْلِ عِنْدَ الِاسْتِهْلَاكِ.

وَلَا يَجُوزُ الْأَجَلُ فِي الْقَرْضِ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَوْ أَجَّلَهُ عِنْدَ الْإِقْرَاضِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، أَوْ بَعْدَ الْإِقْرَاضِ لَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ، وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهِ فِي الْحَالِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي الْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَا يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَجُوزُ التَّأْجِيلُ فِيهِ كَالثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ التَّأْجِيلَ إسْقَاطُ الْمُطَالَبَةِ إلَى مُدَّةٍ، وَإِسْقَاطُ الْمُطَالَبَةِ بِبَدَلِ الْقَرْضِ لَا إلَى غَايَةٍ بِالْإِبْرَاءِ صَحِيحٌ، فَالتَّأْجِيلُ فِيهِ أَوْلَى أَنْ يَصِحَّ، وَلَنَا فِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُقْرِضَ مُتَبَرِّعٌ؛ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ الْإِقْرَاضُ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالْعَبْدِ، وَالْمُكَاتَبِ فَلَوْ لَزِمَ الْأَجَلُ فِيهِ لَصَارَ التَّبَرُّعُ مُلْزِمًا الْمُتَبَرِّعَ شَيْئًا، وَهُوَ الْكَفُّ عَنْ الْمُطَالَبَةِ إلَى مُضِيِّ الْأَجَلِ، وَذَلِكَ يُنَاقِضُ مَوْضُوعَ التَّبَرُّعِ، وَشَرْطُ مَا يُنَاقِضُ مَوْضُوعَ الْعَقْدِ بِهِ لَا يَصِحُّ، وَكَذَلِكَ إلْحَاقُهُ بِهِ لَا يَصِحُّ؛ فَلِهَذَا لَا يَلْزَمُ الْأَجَلُ، وَإِنْ ذُكِرَ بَعْدَ الْعَقْدِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْقَرْضَ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا، وَالتَّوْقِيتُ فِي الْعَارِيَّةِ لَا يَلْزَمُ حَتَّى إنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>