فَهُوَ فَاسِدٌ كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْهُ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِحُلِّي ذَهَبٍ فِيهِ لُؤْلُؤٌ وَيَاقُوتٌ يَبِيعُهُ لَهُ فَبَاعَهُ بِدَرَاهِمَ، ثُمَّ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ، فَإِنْ كَانَ اللُّؤْلُؤُ، وَالْيَاقُوتُ يُنْزَعُ مِنْهُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ، يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي حِصَّةِ الصَّرْفِ؛ لِعَدَمِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ، وَجَازَ فِي حِصَّةِ اللُّؤْلُؤِ؛ لِتَمَكُّنِ التَّسْلِيمِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَالْبَيْعُ فِي حَقِّهِ بَيْعُ عَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنْزَعُ إلَّا بِضَرَرٍ لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِنْهُ؛ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ بِغَيْرِ ضَرَرٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَهُ ابْتِدَاءً فِي هَذَا الْفَصْلِ لَا يَجُوزُ، فَكَذَلِكَ لَا يَبْقَى بِخِلَافِ الْأَوَّلِ.
وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ فُلُوسًا بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهَا، وَقَبَضَهَا فَكَسَدَتْ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى الْآمِرِ، فَهِيَ لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ صَارَ قَابِضًا، فَإِنَّ الْوَكِيلَ فِي الْقَبْضِ عَامِلٌ لَهُ، وَبِالْقَبْضِ يَنْتَهِي حُكْمُ الْعَقْدِ فِيهِ، فَالْكَسَادُ بَعْدَهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَلَوْ كَسَدَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْوَكِيلُ كَانَ الْوَكِيلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا، وَقَدْ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْعَقْدِ يَفْسُدُ بِكَسَادِ الْفُلُوسِ قَبْلَ الْقَبْضِ - اسْتِحْسَانًا - فَقَبِلَ التَّفْرِيعَ الْمَذْكُورَ هُنَا عَلَى جَوَابِ الْقِيَاسِ، وَقِيلَ مُرَادُهُ مِنْ قَوْلِهِ هُنَاكَ: إنَّ الْعَقْدَ يُفْسِدُ، أَنَّهُ: لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبْضِ الْفُلُوسِ الْكَاسِدَةِ، فَأَمَّا إذَا اخْتَارَ الْأَخْذَ فَلَهُ ذَلِكَ كَمَا فَسَّرَهُ هُنَا فَقَالَ: الْوَكِيلُ بِالْخِيَارِ، فَإِذَا أَخَذَهَا فَهِيَ لَازِمَةٌ لَهُ دُونَ الْآمِرِ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْآمِرُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِفُلُوسٍ حَتَّى كَسَدَتْ، إنَّمَا هِيَ الْآنَ صِفْرٌ، مَعْنَاهُ: لَيْسَتْ بِفُلُوسٍ رَائِجَةٍ هِيَ ثَمَنٌ، وَذَلِكَ مَقْصُودُ الْآمِرِ.
وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْوَكِيلُ، فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ، وَالْوَكِيلُ فِيهِ كَالْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ فَمَا دَامَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ رَدِّهَا بِدُونِ اسْتِطْلَاعِ رَأْيِ الْمُوَكِّلِ، فَإِنْ أَخَذَهُ وَرَضِيَهُ، وَكَانَ الْعَيْبُ غَيْرَ مُسْتَهْلَكٍ لَهُ فَهُوَ لَازِمٌ لِلْآمِرِ، وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ فَاحِشًا يُسْتَهْلَكُ الْعَبْدُ فِيهِ، لَزِمَ الْوَكِيلَ دُونَ الْآمِرِ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْآمِرُ، وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْعَيْبُ الْيَسِيرُ، وَالْفَاحِشُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَهُوَ لَازِمٌ لِلْآمِرِ إنْ اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ كَشِرَائِهِ ابْتِدَاءً مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ، وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْعَيْبَ الْمُسْتَهْلَكَ لَا يَمْنَعُ الْوَكِيلَ مِنْ الشِّرَاءِ لِلْآمِرِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ، فَكَذَلِكَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْقَبْضِ، وَالرِّضَا بِهِ عِنْدَ الْأَخْذِ، وَمِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ شِرَاءَهُ لِلْآمِرِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ، وَهُوَ مَعْلُومٌ عُرْفًا فَكَذَلِكَ رِضَاهُ عِنْدَ الْأَخْذِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ كِتَابِ الْوَكَالَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هُنَاكَ، وَلَئِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي قَوْلِهِمْ كَمَا أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ، فَوَجْهُهُ: أَنَّ الرِّضَا بِالْعَيْبِ الْيَسِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute