أَنَّهُ كَانَ مُقِيمًا فَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ وَقَضَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِكُلِّ طَائِفَةٍ شَطْرَ الصَّلَاةِ وَأَمَّا فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَيُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ رَكْعَةً عِنْدَنَا (وَقَالَ) الثَّوْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَبِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ فِي ذَلِكَ حَظٌّ.
(وَلَنَا) أَنَّهُ إنَّمَا يُصَلِّي بِكُلِّ طَائِفَةٍ شَطْرَ الصَّلَاةِ وَشَطْرُ الْمَغْرِبِ رَكْعَةٌ وَنِصْفٌ فَثَبَتَ حَقُّ الطَّائِفَةِ الْأُولَى فِي نِصْفِ رَكْعَةٍ وَالرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تُجْزِئُ فَثَبَتَ حَقُّهُمْ فِي كُلِّهَا وَلِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ شَطْرُ الْمَغْرِبِ وَلِهَذَا كَانَتْ الْقَعْدَةُ بَعْدَهُمَا وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الشَّطْرَيْنِ ثُمَّ الطَّائِفَةُ الْأُولَى تُصَلِّي الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ بِالْقِرَاءَةِ وَيَقْعُدُونَ بَيْنَهُمَا وَبَعْدَهُمَا كَمَا يَفْعَلُهُ الْمَسْبُوقُ بِرَكْعَتَيْنِ فِي الْمَغْرِبِ
(قَالَ): وَمَنْ قَاتَلَ مِنْهُمْ فِي صَلَاتِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا تَفْسُدُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْقَدِيمِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: ١٠٢] وَالْأَمْرُ بِأَخْذِ السِّلَاحِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْقِتَالِ بِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْقِتَالُ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَلَا تَتَحَقَّقُ فِيهِ الْحَاجَةُ لَا مَحَالَةَ فَكَانَ مُفْسِدًا لَهَا كَتَخْلِيصِ الْغَرِيقِ وَاتِّبَاعِ السَّارِقِ لِاسْتِرْدَادِ الْمَالِ وَالْأَمْرُ بِأَخْذِ الْأَسْلِحَةِ لِكَيْ لَا يَطْمَعَ فِيهِمْ الْعَدُوُّ إذَا رَآهُمْ مُسْتَعِدِّينَ أَوْ لِيُقَاتِلُوا بِهَا إذَا احْتَاجُوا ثُمَّ يَسْتَقْبِلُونَ الصَّلَاةَ
(قَالَ): وَلَا يُصَلُّونَ وَهُمْ يُقَاتِلُونَ وَإِنْ ذَهَبَ الْوَقْتُ لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَضَاهُنَّ بَعْدَ هُدْءٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَقَالَ: شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُطُونَهُمْ نَارًا» فَلَوْ كَانَ تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي حَالَةِ الْقِتَالِ لَمَا أَخَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ مَنْ رَكِبَ مِنْهُمْ فِي صَلَاتِهِ عِنْدَ انْصِرَافِهِ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الرُّكُوبَ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَهُوَ مِمَّا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَشْيِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى يَقِفُوا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَجَوَازُ الْعَمَلِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الضَّرُورَةُ
(قَالَ): وَلَا يُصَلُّونَ جَمَاعَةً رُكْبَانًا لِأَنَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ طَرِيقًا فَيَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَعَ الْإِمَامِ عَلَى دَابَّةٍ فَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مَانِعٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ جَوَّزَ لَهُمْ فِي الْخَوْفِ أَنْ يُصَلُّوا رُكْبَانًا بِالْجَمَاعَةِ وَقَالَ: أَسْتَحْسِنُ ذَلِكَ لِيَنَالُوا فَضِيلَةَ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ فَقَدْ جَوَّزْنَا لَهُمْ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الذَّهَابُ وَالْمَجِيءُ لِيَنَالُوا فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ وَلَكِنَّا نَقُولُ مَا أَثْبَتْنَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute