للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِيهِ دُورٌ فَبِيعَتْ دَارٌ مِنْهَا فَأَصْحَابُ الدُّورِ شُفَعَاءُ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْفِنَاءِ، وَالطَّرِيقِ، فَإِنْ سَلَّمَ هَؤُلَاءِ الشُّفْعَةَ، فَالْجَارُ الْمُلَاصِقُ أَحَقُّ مِنْهُمْ بِالشُّفْعَةِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: فِنَاءُ الدَّارِ مَمْلُوكٌ لِصَاحِبِ الدَّارِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ حَقُّهُ، وَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الدَّارِ، وَالدَّارُ مَا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحَائِطُ، وَالْفِنَاءُ اسْمٌ لِصَحْنٍ وَرَاءَ ذَلِكَ يَكُونُ مُعَدًّا لِإِيقَافِ الدَّوَابِّ وَكَسْرِ الْحَطَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ، فَهُوَ حَقُّ أَصْحَابِ السِّكَّةِ بِمَنْزِلَةِ الطَّرِيقِ الْخَاصَّةِ لَهُمْ، أَوْ مِلْكٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَفِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ الْجَارُ الْمُلَاصِقُ، وَالْمُقَابِلُ سَوَاءٌ.

وَلِهَذَا كَانَتْ الشُّفْعَةُ عِنْدَنَا عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ دُونَ مَقَادِيرِ الْأَنْصِبَاءِ، وَالدُّورِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَى مِقْدَارِ النُّصُبِ، وَبَيَانُهُ: فِي دَارٍ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهَا وَلِآخَرَ ثُلُثُهَا وَلِآخَرَ سُدُسُهَا بَاعَ صَاحِبُ النِّصْفِ نَصِيبَهُ وَطَلَبَ الْآخَرَانِ الشُّفْعَةَ قُضِيَ بِالشُّفْعَةِ فِي الْمَبِيعِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَثْلَاثًا بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا، وَإِنْ بَاعَ صَاحِبُ السُّدُسِ مِلْكَهُ وَطَلَبَ الْآخَرَانِ الشُّفْعَةَ قُضِيَ بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا عِنْدَهُ، وَإِنْ بَاعَ صَاحِبُ الثُّلُثِ نَصِيبَهُ قُضِيَ بِهِ بَيْنَ الْآخَرَيْنِ أَرْبَاعًا عِنْدَهُ بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا وَعِنْدَنَا يُقْضَى بِهِ نِصْفَيْنِ فَكَذَلِكَ عَلَى أَصْلِنَا إذَا بِيعَتْ دَارٌ وَلَهَا جَارَانِ أَحَدُهُمَا جَارٌ مِنْ ثَلَاثِ جَوَانِبَ، وَالْآخَرُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ وَاحِدٍ وَطَلَبَا الشُّفْعَةَ، فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَدَلَّ «بِحَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا أَجْلَى يَهُودَ مِنْ وَادِي الْقُرَى قَالَ لِبَنِي عُذْرَةَ: أَنْتُمْ شُفَعَاؤُنَا فِي أَمْوَالِ الْيَهُودِ» الْحَدِيثَ، إلَى أَنْ جَعَلَ الْوَادِيَ بَيْنَ بَنِي عُذْرَةَ وَبَيْنَ الْإِمَارَةِ نِصْفَيْنِ، فَقَدْ اعْتَبَرَ مِقْدَارَ النَّصِيبِ، وَلَمْ يَقْسِمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ بَنِي عُذْرَةَ، وَإِنَّ هَذَا رِفْقٌ مِنْ مَرَافِقِ الْمِلْكِ، فَيَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ كَالرِّبْحِ أَوْ ثَمَرَةٍ تُسْتَحَقُّ بِالْمِلْكِ، فَيَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ كَالْأَوْلَادِ، وَالْأَلْبَانِ، وَالْأَثْمَارِ فِي الْأَشْجَارِ الْمُشْتَرَكَةِ يُوَضِّحُهُ الْمَنْفَعَةُ أَنَّ الَّتِي تُسْتَحَقُّ بِسَبَبِ الْمِلْكِ يُعْتَبَرُ بِالْغُرْمِ الَّذِي يَلْحَقُ الْمَالِكَ بِسَبَبِ الْمِلْكِ، وَذَلِكَ بِقَدْرِ الْمِلْكِ، فَإِذَا كَانَ الْحَائِطُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا وَأُشْهِدَ عَلَيْهِمَا فِيهِ فَسَقَطَ وَأَصَابَ مَالًا، أَوْ نَفْسًا كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا بِقَدْرِ الْمِلْكِ فَهَذَا مِثْلُهُ

وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ مُسْتَقِيمٌ، فَإِنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ عِنْدَهُ لِدَفْعِ ضَرَرِ مُؤْنَةِ الْمُقَاسَمَةِ وَحَاجَةُ صَاحِبِ الْكَثِيرِ إلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ حَاجَةِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ عِنْدَهُ عَلَى الشُّرَكَاءِ بِقَدْرِ الْمِلْكِ فَكَذَلِكَ مَا شُرِعَ لِدَفْعِ هَذِهِ الْمُؤْنَةِ وَجْهُ قَوْلِنَا إنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ إمَّا الْجِوَارُ، أَوْ الشَّرِكَةُ، وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي أَصْلِ ذَلِكَ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ شَرِيكٌ كَصَاحِبِ الْكَثِيرِ، وَجَازَ لِاتِّصَالِ مِلْكِهِ بِالْمَبِيعِ كَصَاحِبِ الْكَثِيرِ (ثُمَّ تَحْقِيقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>