بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي لِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ فِي قِيمَةِ الْبِنَاءِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي حَكَاهَا أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ هُنَاكَ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ هُنَا؛ لِأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ دُونَ بَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي حَكَاهَا مُحَمَّدٌ هُنَاكَ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ إنَّمَا جَعَلْنَا الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةَ الشَّفِيعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ صَدَرَ مِنْهُ إقْرَارَانِ، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى هُنَا فَبَقِيَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَفِي بَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي إثْبَاتُ الزِّيَادَةِ فَكَانَتْ أَوْلَى كَذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْأَرْضِ يَوْمَ وَقَعَ الشِّرَاءُ نُظِرَ إلَى قِيمَتِهِ الْيَوْمَ فَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِمَنْ يُوَافِقُ قَوْلُهُ الْقِيمَةَ فِي الْحَالِ؛ وَلِأَنَّ تَمْيِيزَ الصَّادِقِ مِنْ الْكَاذِبِ بِالرُّجُوعِ إلَى قِيمَتِهِ فِي الْحَالِ مُمْكِنٌ فَيُسْتَدَلُّ بِقِيمَتِهَا فِي الْحَالِ عَلَى قِيمَتِهَا فِيمَا مَضَى.
وَإِذَا اشْتَرَى دَارًا فَوَهَبَ بِنَاءَهَا لِرَجُلٍ، أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ، أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَهُدِمَ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ عَلَى الْبِنَاءِ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّهُ زَايَلَ الْأَرْضَ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مَنْقُولٌ، فَلَا يَسْتَحِقُّ بِالشُّفْعَةِ، وَلَكِنْ يَأْخُذُ الْأَرْضَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ هَدْمَ الْبِنَاءِ كَانَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَهُوَ كَمَا لَوْ هُدِمَ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُهْدَمْ فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي وَيَأْخُذَ الدَّارَ كُلَّهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْبِنَاءِ مَا دَامَ مُتَّصِلًا بِالْأَرْضِ ثَابِتٌ وَلِلشَّفِيعِ حَقُّ نَقْضِ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْأَصْلِ، وَالْهِبَةِ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَنْقُضَ ذَلِكَ وَيَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ فَكَذَلِكَ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْبِنَاءِ؛ وَلِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْكُلَّ بِالشُّفْعَةِ بِحَقٍّ تَقَدَّمَ ثُبُوتَ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ فِي إبْطَالِ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَإِذَا سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ لِلْمُشْتَرِي، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالشِّرَاءِ، فَهُوَ تَسْلِيمٌ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَعِلْمُهُ بِحَقِّهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْإِسْقَاطِ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهُ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ وَإِيقَاعِ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا سَاوَمَهُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ (لِأَنَّ الْمُسَاوَمَةَ) غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِهَا؛ لِمَا فِيهَا مِنْ دَلِيلِ الرِّضَا مِنْ الشَّفِيعِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الشَّفِيعُ بِهِ.
وَإِذَا اتَّخَذَ الْمُشْتَرِي الدَّارَ مَسْجِدًا، ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْمَسْجِدَ وَيَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ (وَرَوَى الْحَسَنُ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَسَنِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ يَتَحَرَّرُ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ إعْتَاقِ الْعَبْدِ وَحَقُّ الشَّفِيعِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْمَرْهُونِ، ثُمَّ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ لَا يَمْنَعُ حَقَّ الرَّاهِنِ فَكَذَلِكَ حَقُّ الشَّفِيعِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ جَعْلِ الدَّارِ مَسْجِدًا وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ لِلشَّفِيعِ فِي هَذِهِ الْبُقْعَةِ حَقًّا مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ الْمُشْتَرِي، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ جَعْلِهِ مَسْجِدًا؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute