لَا يَبْقَى بَعْدَ تَصَرُّفٍ آخَرَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ حَقِّ الشَّفِيعِ، وَكَذَلِكَ حَقُّ الْوَاهِبِ ضَعِيفٌ لَا يَبْقَى بَعْدَ تَصَرُّفِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِخِلَافِ حَقِّ الشَّفِيعِ، وَالِاشْتِغَالُ بِالتَّرْجِيحِ لِدَفْعِ أَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ بِالْأَهْوَنِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي أَصْلِ الْحَقِّ، وَلَا مُسَاوَاةَ فَحَقُّ الشَّفِيعِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ الْبِنَاءُ الَّذِي يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الشَّفِيعِ رُبَّمَا لَا يَكُونُ مُوَافِقًا لَهُ فَيَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةِ ذَلِكَ لِرَفْعِ الْبِنَاءِ، ثُمَّ يَبْنِي عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُوَافِقُهُ وَفِي الزَّرْعِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ فِي الْقِيَاسِ بِقَلْعِ زَرْعِهِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَقْلَعُ؛ لِأَنَّ لِإِدْرَاكِهِ نِهَايَةً مَعْلُومَةً، وَلَيْسَ فِي الِانْتِظَارِ كَثِيرُ ضَرَرٍ عَلَى الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْغِرَاسِ، وَالْبِنَاءِ وَأَصْلُهُ فِي الْمُسْتَعِيرِ يُقْلَعُ بِنَاؤُهُ وَغَرْسُهُ لِحَقِّ الْمُعِيرِ، وَلَا يُقْلَعُ زَرْعُهُ اسْتِحْسَانًا.
وَإِذَا اشْتَرَى دَارًا فَغَرِقَ نِصْفُهَا فَصَارَ مِثْلَ الْفُرَاتِ يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ، وَلَا يُسْتَطَاعُ رَدُّ ذَلِكَ عَنْهَا فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فِي الْكُلِّ، وَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْ أَخْذِ الْبَعْضِ فَيَأْخُذُهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَالشَّافِعِيُّ فِي كِتَابَةِ يَدَّعِي الْمُنَاقَضَةَ عَلَيْنَا فِي هَذَا الْفَصْلِ وَيَقُولُ: إنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُ إذَا احْتَرَقَ الْبِنَاءُ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ عَنْ الشَّفِيعِ وَإِذَا غَرِقَ بَعْضُ الْأَرْضِ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَكَأَنَّهُمْ اعْتَبِرُوا فِعْلَ الْمَاءِ دُونَ النَّارِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِقِلَّةِ الْفِقْهِ، وَالتَّأَمُّلِ، فَإِنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ وَتَبَعٌ، وَلَيْسَ بِمُقَابَلَةِ الْوَصْفِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا فَاتَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ، فَأَمَّا بَعْضُ الْأَرْضِ لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلْأَرْضِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إسْقَاطِ حِصَّةِ مَا غَرِقَ مِنْ الثَّمَنِ عَنْ الشَّفِيعِ، أَوْ تَأَخُّرِ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ أَخْذِهِ، وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي ذَهَبَ مِنْهَا الثُّلُثُ وَقَالَ الشَّفِيعُ ذَهَبَ النِّصْفُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي وَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ إنْ شَاءَ، فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَهَذَا وَمَسْأَلَةُ قِيمَةِ الْبِنَاءِ سَوَاءٌ فِي التَّخْرِيجِ عَلَى مَا بَيَّنَّا
وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ بَعْضَهَا وَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ وَطَلَبَهَا الْجَارُ بِالشُّفْعَةِ أَخَذَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي مِقْدَارِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَدَّعِي حَقَّ التَّمَلُّكِ عَلَيْهِ فِي الْبَاقِي بِثَمَنٍ يُنْكِرُهُ الْمُشْتَرِي، وَلَا شُفْعَةَ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ تَعْتَمِدُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْبَائِعِ وَعِنْدَ فَسَادِ الْبَيْعِ حَقُّ الْبَائِعِ لَمْ يَنْقَطِعْ؛ وَلِأَنَّ فِي إثْبَاتِ حَقِّ الْأَخْذِ لِلشَّفِيعِ تَقْرِيرٌ لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَهُوَ مَعْصِيَةٌ، وَالتَّقْرِيرُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ، فَإِنْ سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهَا بِهِ وَسَمَّاهُ لَهُ جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ بِالشُّفْعَةِ سُمِّيَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ الْمُبْتَدَأِ وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي ابْتِدَاءً جَازَ بَيْعُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الدَّارِ فَكَذَلِكَ إذَا سَلَّمَهَا لِلشَّفِيعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَرِثَ دَارًا فَسَلَّمَهَا لِلشَّفِيعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ ذَلِكَ بَيْعًا مِنْهُ وَلَوْ اشْتَرَى بَيْعًا مَنْقُولًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute