الشُّفْعَةَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِيَسْقُطَ حَقُّهُ بِهِ فِي الْأَخْذِ مِنْ أَبِيهِمَا، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، فَالشَّهَادَةُ تُقْبَلُ لِخُلُوِّهَا عَنْ التُّهْمَةِ، فَقَدْ خَرَجَ أَبُوهُمَا مِنْ خُصُومَةِ الشَّفِيعِ بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ الْمُكَاتَبُ وَمَوْلَاهُ شَفِيعُهَا، وَالدَّارُ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِ مُكَاتَبِهِ أَبْعَدَ مِنْهُ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا بِالشُّفْعَةِ فَهُنَا أَوْلَى، فَإِنْ شَهِدَ ابْنَا الْمَوْلَى أَنَّهُ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ لِلْمُشْتَرِي جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَبِيهِمَا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ، فَإِنْ قِيلَ الدَّارُ فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ فَهُمَا يَشْهَدَانِ فِي الْمَعْنَى لِمُكَاتَبِ أَبِيهِمَا وَشَهَادَتُهُمَا لِمُكَاتَبِ أَبِيهِمَا وَعَبْدِ أَبِيهِمَا لَا تُقْبَلُ قُلْنَا نَعَمْ، وَلَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْأَبَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْأَبَ، فَلَا تَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ فِي شَهَادَتِهِمَا، أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَتَهُمَا لِمُكَاتَبِ أَبِيهِمَا بِدَيْنٍ عَلَى أَبِيهِمَا تُقْبَلُ وَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ لَا تُقْبَلُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُمَا يُؤْثِرَانِ مُكَاتَبَ أَبِيهِمَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لَا عَلَى أَبِيهِمَا.
وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ دَارًا فَشَهِدَ ابْنَا الْبَائِعِ أَنَّ الشَّفِيعَ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ لِلْمُشْتَرِي فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ أَبَاهُمَا خَصْمٌ فِيهِ مَا دَامَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ وَيُلْزِمُهُ الْعُهْدَةَ فَهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَبِيهِمَا، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ قَبَضَ الدَّارَ فَخَاصَمَهُ الشَّفِيعُ، ثُمَّ شَهِدَ الِابْنَانِ بِذَلِكَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَبَ خَرَجَ مِنْ هَذِهِ الْخُصُومَةِ بِتَسْلِيمِهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَهُمَا يَشْهَدَانِ لِلْمَوْلَى عَلَى الشَّفِيعِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ يَشْهَدُ عَلَى الشَّفِيعِ بِذَلِكَ بَعْد مَا سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ كَمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَكَذَلِكَ ابْنَا الْبَائِعِ قُلْنَا امْتِنَاعُ قَبُولِ شَهَادَتِهِ يَكُونُ خَصْمًا فِيهِ، وَمِنْ كَانَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ مَرَّةً لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهَا، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْخُصُومَةِ، فَأَمَّا امْتِنَاعُ قَبُولِ شَهَادَةِ الِابْنَيْنِ لِمَنْفَعَةِ أَبِيهِمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي، فَأَمَّا بَعْدَ التَّسْلِيمِ، فَلَا مَنْفَعَةَ لِأَبِيهِمَا فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا بِذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ، وَالْمُكَاتَبُ إذَا بَاعَا دَارًا وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي، ثُمَّ شَهِدَ ابْنَا الْمَوْلَى عَلَى الشَّفِيعِ بِالتَّسْلِيمِ، فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ كَانَ هُوَ الْبَائِعُ كَانَتْ شَهَادَتُهُمَا مَقْبُولَةً، فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ، وَالْمُكَاتَبُ هُوَ الْبَائِعُ أَوْلَى أَنْ تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ، وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَتَّضِحُ مَا بَيَّنَّا مِنْ التَّأْوِيلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.
وَإِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ لِلْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي عَلَى الشَّفِيعِ أَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ وَشَهِدَ رَجُلَانِ لِلشَّفِيعِ أَنَّ الْبَائِعَ، وَالْمُشْتَرِي سَلَّمَا الدَّارَ قُضِيَتْ بِهَا لِلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي دَارِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ صَاحِبِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَنَقَدَ الثَّمَنَ فَإِنِّي أَقْضِي بِهَا لِلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ التَّهَاتُرِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ تَتَهَاتَرُ الْبَيِّنَتَانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْضِي بِالْبَيِّنَتَيْنِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ: مَسْأَلَةُ الشُّفْعَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute