أَبْطَالَهُمْ بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ الْأَسْلِحَةِ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ
(قَالَ): وَيَزِيدُونَ فِي أَكْفَانِهِمْ مَا شَاءُوا وَيَنْقُصُونَ مَا شَاءُوا وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا اللَّفْظِ عَلَى أَنَّ عَدَدَ الثَّلَاثِ فِي الْكَفَنِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَيَخِيطُونَهُ إنْ شَاءُوا كَمَا يُفْعَلُ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمَوْتَى إنَّمَا لَا يُزَالُ عَنْهُ أَثَرُ الشَّهَادَةِ فَأَمَّا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَوْتَى
(قَالَ) وَإِنْ حُمِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فِي بَيْتِهِ أَوْ عَلَى أَيْدِي الرِّجَالِ غُسِّلَ لِأَنَّهُ صَارَ مُرْتَثًّا وَقَدْ وَرَدَ الْأَثَرُ بِغُسْلِ الْمُرْتَثِّ وَمَعْنَاهُ مِنْ خَلَقَ أَمْرُهُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ يُقَالُ: ثَوْبٌ رَثٌّ أَيْ خَلَقٌ. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَا طُعِنَ حُمِلَ إلَى بَيْتِهِ فَعَاشَ يَوْمَيْنِ ثُمَّ غُسِّلَ وَكَانَ شَهِيدًا عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حُمِلَ حَيًّا بَعْدَ مَا طُعِنَ ثُمَّ غُسِّلَ وَكَانَ شَهِيدًا فَأَمَّا عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأُجْهِزَ عَلَيْهِ فِي مَصْرَعِهِ وَلَمْ يُغَسَّلْ فَعَرَفْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الشَّهِيدَ الَّذِي لَا يُغَسَّلُ مَنْ أُجْهِزَ عَلَيْهِ فِي مَصْرَعِهِ دُونَ مَنْ حُمِلَ حَيًّا وَهَذَا إذَا حُمِلَ لِيُمَرَّضَ فِي خَيْمَتِهِ أَوْ فِي بَيْتِهِ وَأَمَّا إذَا جُرَّ بِرِجْلِهِ مِنْ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ لِكَيْ لَا تَطَأَهُ الْخُيُولُ فَمَاتَ لَمْ يُغَسَّلْ لِأَنَّ هَذَا مَا نَالَ شَيْئًا مِنْ رَاحَةِ الدُّنْيَا بَعْدَ صِفَةِ الشَّهَادَةِ فَتَحَقَّقَ بَذْلُ نَفْسِهِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأَوَّلُ بِحَسَبِ مَا مَرِضَ قَدْ نَالَ رَاحَةَ الدُّنْيَا بَعْدُ فَيُغَسَّلُ وَإِنْ كَانَ لَهُ ثَوَابُ الشُّهَدَاءِ كَالْغَرِيقِ وَالْحَرِيقِ وَالْمَبْطُونِ وَالْغَرِيبِ يُغَسَّلُونَ وَهُمْ شُهَدَاءُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(قَالَ) وَمَا قُتِلَ بِهِ فِي الْمَعْرَكَةِ مِنْ سِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ سَوَاءٌ لَا يُغَسَّلُ لِأَنَّ الْأَصْلَ شُهَدَاءُ أُحُدٍ وَفِيهِمْ مَنْ دُمِغَ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ وَفِيهِمْ مِنْ قُتِلَ بِالْعَصَا ثُمَّ عَمَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَمْرِ بِتَرْكِ الْغُسْلِ وَلِأَنَّ الشَّهِيدَ بَاذِلٌ نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ} [التوبة: ١١١] وَفِي هَذَا الْمَعْنَى السِّلَاحُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ
(قَالَ): وَإِنْ وَجَدَ فِي الْمَعْرَكَةِ مَيِّتًا لَيْسَ بِهِ أَثَرٌ غُسِّلَ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ يُفَارِقُ الْمَيِّتَ بِالْأَثَرِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ انْزِهَاقُ رُوحِهِ بِقَتْلٍ مُضَافٍ إلَى الْعَدُوِّ بَلْ لَمَّا الْتَقَى الصَّفَّانِ انْخَلَعَ قِنَاعُ قَلْبِهِ مِنْ شِدَّةِ الْفَزَعِ فَمَاتَ وَالْجَبَانُ مُبْتَلًى بِهَذَا وَإِنْ كَانَ بِهِ أَثَرٌ لَمْ يُغَسَّلْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَوْتَهُ كَانَ بِذَلِكَ الْجُرْحِ وَأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْعَدُوِّ فَاجْتِمَاعُ الصَّفَّيْنِ كَانَ لِهَذَا وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحُكْمَ مَتَى ظَهَرَ عَقِيبَ سَبَبٍ يُحَالُ عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ فَإِنْ كَانَ الدَّمُ يَخْرُجُ مِنْ بَعْضِ مَخَارِقِهِ نَظَّرَ فَإِنْ كَانَ الدَّمُ يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ غَيْرِ جُرْحٍ فِي الْبَاطِنِ غُسِّلَ وَذَلِكَ كَالْأَنْفِ وَالدُّبُرِ وَالذَّكَرِ فَقَدْ يُبْتَلَى بِالرُّعَافِ وَقَدْ يَبُولُ دَمًا لِشِدَّةِ الْفَزَعِ وَقَدْ يَخْرُجُ الدَّمُ مِنْ الدُّبُرِ مِنْ غَيْرِ جُرْحٍ فِي الْبَاطِنِ وَإِنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute