فِيهِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ نَافِذٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا تَكُونُ الشُّفْعَةُ وَاجِبَةً يُجْعَلُ التَّسْلِيمُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ الْمُبْتَدَإِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، فَقَدْ كَانَتْ الشُّفْعَةُ هُنَاكَ وَاجِبَةً حِينَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ؛ فَلِهَذَا جَعَلْنَا الْقَضَاءَ وَغَيْرَ الْقَضَاءِ هُنَاكَ سَوَاءً وَفَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا هُنَا، ثُمَّ عَلَى الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ قِيمَةُ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا قَبَضَ مِنْ الدَّارِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا بِإِخْرَاجِهِ إيَّاهَا عَنْ مِلْكِهِ بِاخْتِيَارِهِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَ الدَّارَ وَوَهَبَهَا وَقَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ ضَمِنَ قِيمَةَ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَالِكًا لِلدَّارِ حِينَ التَّصَرُّفِ فَنَفَذَ تَصَرُّفُهُ، ثُمَّ لَزِمَهُ رَدُّ عَيْنِهَا حِينَ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ، وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ قِيمَتِهَا.
وَإِذَا اشْتَرَى دَارًا بِعَرْضٍ بِعَيْنِهِ وَتَقَابَضَا فَاخْتَلَفَ الشَّفِيعُ، وَالْمُشْتَرِي فِي قِيمَةِ الْعَرْضِ، فَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ يَقُومُ فِي الْحَالِ فَيَتَبَيَّنُ بِقِيمَتِهِ فِي الْحَالِ قِيمَتَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ هَالِكًا، فَالْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ مَا يَلْزَمُ الشَّفِيعَ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَعَلَى طَرِيقَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي غَيْرُ مُلْزَمَةٍ وَعَلَى قِيَاسِ طَرِيقَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَا صَدَرَ مِنْ الْمُشْتَرِي هَهُنَا إقْرَارَانِ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْبِنَاءِ الَّذِي أَحْرَقَهُ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِشَيْءٍ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَلِلْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ مِثْلٌ مِنْ جِنْسِهِ كَمَا فِي ضَمَانِ الْإِتْلَافِ.
وَإِنْ اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ، ثُمَّ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَرَدَّهُ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ بِصِفَةِ السَّلَامَةِ، وَإِنَّمَا يَقُومُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي صَارَ مُسْتَحِقًّا بِالْعَقْدِ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِدَارٍ فَهَذَا وَشِرَاءُ الدَّارِ بِالْعَبْدِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْقُودٌ عَلَيْهِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى الْعَبْدِ، أَوْ إلَى الدَّارِ.
وَإِذَا اشْتَرَى بِنَاءَ دَارٍ عَلَى أَنْ يُعَلِّقَهُ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ مَعَهُ الْأَرْضَ، وَالْبِنَاءُ بِدُونِ الْأَرْضِ مَنْقُولًا، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَنْقُولَ بِالشُّفْعَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ يَثْبُتُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْبَادِي بِسُوءِ الْمُجَاوَرَةِ عَلَى الدَّوَامِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي شِرَاءِ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَرْضِ، فَإِنَّ اتِّصَالَ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ بِالْآخَرِ لَا يَكُونُ اتِّصَالَ تَأْيِيدٍ وَقَرَارٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالشُّفْعَةِ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ وَبِمِلْكِ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَرْضِ لَا يَسْتَحِقُّ بِالشُّفْعَةِ، فَأَمَّا مَنْ لَهُ بِنَاءٌ عَلَى أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِحَبْسِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ فَكَذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ الْبِنَاءَ بِالشُّفْعَةِ، إلَّا تَبَعًا لِلْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى نَصِيبَ الْبَائِعِ مِنْ الْبِنَاءِ، وَهُوَ النِّصْفُ، فَلَا شُفْعَةَ فِي هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute