يَتَحَقَّقُ هُنَا؛ فَلِهَذَا يَمْتَنِعُ بِبَيْعِهِ مِنْهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ وَبِأَكْثَرَ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ التَّصَرُّفِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْعَيْنِ
وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْوَرَثَةِ عَنْ ثُلُثَيْ مَالِهِ، وَلَيْسَ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ إبْطَالُ حَقِّ الْوَرَثَةِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ أَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِلْأَجْنَبِيِّ بِالدَّيْنِ، أَوْ بِالْعَيْنِ وَإِقْرَارُهُ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ، وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ مَعَ الْوَارِثِ وَيُجْعَلُ وَصِيَّةً مِنْهُ فَكَذَلِكَ الْبَيْعُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ بَيْعِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَحَقُّهُمْ فِي دُيُونِهِمْ لَا فِي عَيْنِ مَالِ الْمَرِيضِ، أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يَسْتَخْلِصَ الْعَيْنَ لِنَفْسِهِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالٍ آخَرَ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ كَانَ صَحِيحًا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَيْنًا فِي صِحَّتِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، ثُمَّ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ مِنْهُ فِي مَرَضِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَبِمِثْلِهِ لَوْ بَاعَهُ مِنْ دَارٍ بِهِ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ مِنْهُ فِي مَرَضِهِ فِي حَقِّ سَائِرِ الْوَرَثَةِ، وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرْنَا، إذَا عَرَفْنَا هَذَا، فَنَقُولُ: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَمَّا صَحَّ الْبَيْعُ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ كَانَ بَاعَهَا مِنْ ابْنِهِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهَا ثَلَاثَةُ آلَافٍ، فَلَا إشْكَالَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ، وَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ وَعِنْدَهُمَا لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إنْ شَاءَ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُشْتَرِي، وَقَدْ كَانَ لِلِابْنِ أَنْ يُزِيلَ الْمُحَابَاةَ وَيَأْخُذَهَا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ إنْ شَاءَ فَكَذَلِكَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِذَلِكَ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ هُنَا؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا بَيْعُ الْمَرِيضِ مِنْ وَارِثِهِ إنَّمَا يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ فِي تَصَرُّفِهِ وَفِي الْبَيْعِ بِالْمُحَابَاةِ وَصِيَّةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ مَعَ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ الثُّلُثِ، وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ فَكَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا، وَلَا شُفْعَةَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَبِأَنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَتَمَكَّنُ مِنْ إزَالَةِ الْمُفْسِدِ، فَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الشُّفْعَةَ لِلشَّفِيعِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ أَجَلٍ فَاسِدٍ، أَوْ خِيَارٍ فَاسِدٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَرْعًا فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ الْمَرِيضِ كَانَ مِنْهُ بِهَذَا الثَّمَنِ، وَالْأَصَحُّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، فَإِنَّ نَفْسَ الْبَيْعِ وَصِيَّةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ تُبَاعُ دَارُهُ مِنْ فُلَانٍ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا يَجِبُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِهِ إذَا طَلَبَ الْمُوصَى لَهُ، وَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْبَيْعِ يُزَاحِمُ سَائِرَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ نَفْسَ الْبَيْعِ وَصِيَّةً، وَقَدْ نَفَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ قُلْنَا لَا يَجُوزُ مِنْهُ الْبَيْعُ أَصْلًا.
وَإِذَا اشْتَرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute