وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِلشَّفِيعِ، ثُمَّ الرَّدُّ مِنْ الْمُشْتَرِي يَعْمَلُ فِي إبْطَالِ حَقِّهِ لَا فِي إبْطَالِ حَقِّ الشَّفِيعِ كَمَا لَوْ تَفَاسَخَا الْبَيْعَ، وَلَكِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهَا بِثُلُثَيْ الْأَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّهَا مَا كَانَتْ تُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ الشَّفِيعُ.
وَإِنْ بَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ إلَى أَجَلٍ وَقِيمَتُهَا ثَلَاثَةُ آلَافٍ، فَالْأَجَلُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ بِالْقَدْرِ اسْتَغْرَقَتْ ثُلُثَ الْمَالِ، فَلَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةُ بِالْأَجَلِ فِي شَيْءٍ، وَلَكِنْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ أَوْ يُؤَدِّيَ الْأَلْفَيْنِ حَالَّةً؛ لِيَصِلَ إلَى الْوَرَثَةِ كَمَالُ حَقِّهِمْ وَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُشْتَرِي فِي حُكْمِ هَذَا الْبَيْعِ كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَالْأَجَلُ فِي الثَّمَنِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ لِلشَّفِيعِ، وَإِنْ بَاعَهَا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهَا أَلْفَانِ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي: إنْ شِئْتَ فَعَجِّلْ أَلْفَيْنِ، وَإِنْ شِئْت فَدَعْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ شَاءَ عَجَّلَ ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا وَيَكُونُ الْبَاقِي عَلَيْهِ إلَى أَجَلٍ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْعَتَاقِ وَذَكَرْنَا أَنَّ مِنْ أَصْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ تَأْجِيلَ الْمَرِيضِ صَحِيحٌ مُطْلَقًا فِيمَا لَهُ أَنْ لَا يَتَمَلَّكَهُ أَصْلًا كَمَا فِي الصَّدَاقِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: جَمِيعُ الْمُسَمَّى مَمْلُوكٌ بِإِزَاءِ مَالٍ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ، فَلَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ فِيهِ، إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ بِمَنْزِلَةِ الْإِسْقَاطِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَيْلُولَةَ تَقَعُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَبَيْنَ الْمَالِ فِي الْحَالِ بِسَبَبِ الْأَجَلِ؛ وَلِهَذَا لَوْ رَجَعَ شُهُودُ التَّأْجِيلِ ضَمِنُوا كَمَا تَضْمَنُ شُهُودُ الْإِبْرَاءِ فَعَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ تَنْبَنِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْكَلَامَ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا وَأَمَّا الشَّفِيعُ، فَالْأَجَلُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ، وَلَكِنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ عَجَّلَ الْمَالَ كُلَّهُ وَأَخَذَ الدَّارَ كُلَّهَا، وَإِنْ شَاءَ كَفَّ حَتَّى يَحِلَّ الْمَالُ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الصَّحِيحِ بِبَيْعِ دَارِهِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ أَنَّ الْأَجَلَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ، فَهُوَ مِثْلُهُ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ وَإِذَا بَاعَ الْمَرِيضُ دَارًا، أَوْ حَابَى فِيهَا، ثُمَّ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ، وَالشَّفِيعُ وَارِثُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِالْبَيْعِ حَتَّى الْآنَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ إذَا تَعَقَّبَهُ بُرْءٌ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حَالِ الصِّحَّةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ بِالْبَيْعِ، وَقَدْ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ حَتَّى بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلشُّفْعَةِ لَهُ الْبَيْعُ، وَقَدْ سَكَتَ عَنْ الطَّلَبِ بَعْدَ مَا عَلِمَ بِالسَّبَبِ فَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْأَخْذِ عِنْدَ ذَلِكَ، كَالْجَارِ إذَا سَكَتَ عَنْ الطَّلَبِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ لِمَكَانِ الشَّرِيكِ، ثُمَّ سَلَّمَ الشَّرِيكُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ فَهَذَا مِثْلُهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute