الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ وَكَمَا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي، إلَّا بِعِلْمٍ، فَالشَّاهِدُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ، إلَّا بِعِلْمٍ، ثُمَّ بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ الْيَدِ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ وَبِقَضَائِهِ بِهَذَا يَظْهَرُ اسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ وَإِذَا كَانَ يَقْضِي لِذِي الْيَدِ بِالْمِلْكِ إذَا حَلَفَ مَعَ وُجُودِ خَصْمٍ يُنَازِعُهُ فِيهَا وَيَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ فَلَأَنْ يَجُوزُ لَهُ الْقَضَاءُ بِذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ هُنَاكَ خَصْمٌ يَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ أَوْلَى. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمِلْكَ بِاعْتِبَارِ الْيَدِ يَثْبُتُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، وَالظَّاهِرُ حُجَّةٌ لِدَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْغَيْرِ؛ وَلِهَذَا جَعَلْنَا الْيَدَ حُجَّةً لِلْمُدَّعِي عَلَيْهِ؛ لِيَدْفَعَ بِهَا اسْتِحْقَاقَ الْمُدَّعِي وَحُجَّةً فِي حَقِّ الشَّاهِدِ؛ لِيَدْفَعَ بِهَا اسْتِحْقَاقَ مَنْ يُنَازِعُهُ، وَحَاجَةُ ذِي الْيَدِ هُنَا إلَى إثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيمَا فِي يَدِ الْغَيْرِ، وَالظَّاهِرُ لَا يَكْفِي لِذَلِكَ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ بِالْبَيِّنَةِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ طَعَنَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فِي الشَّاهِدِ أَنَّهُ عَبْدٌ يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ حُرِّيَّتِهِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ، فَلَا يَصْلُحُ لِلْإِلْزَامِ وَإِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارِ إنْسَانٍ فَأَنْكَرَ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَوْنَ الدَّارِ لَهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِيَقْضِيَ بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَهَذَا نَظِيرُهُ (قَالَ: وَلَا أَقْبَلُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةَ ابْنَيْ الْوَكِيلِ وَأَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ، وَلَا شَهَادَةَ ابْنَيْ الْمُوَكِّلِ وَأَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ، وَلَا شَهَادَةَ الْمَوْلَى إذَا كَانَ الْوَكِيلُ، وَالْمُوَكِّلُ عَبْدًا لَهُ، أَوْ مُكَاتَبًا)؛ لِأَنَّهُمْ مُتَّهَمُونَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ يَشْهَدُونَ لِحَقِّ الْمُوَكِّلِ وَيُثْبِتُونَ حَقَّ الْأَخْذِ لِلْوَكِيلِ؛ فَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ الْفَرِيقَيْنِ.
وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لِفُلَانٍ نَصِيبًا مِنْ الدَّارِ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَمْ هُوَ لَمْ أَقْضِ لَهُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْمَجْهُولِ، فَالنَّصِيبُ الْمَشْهُودُ بِهِ مَجْهُولٌ وَمَا لَمْ يُقْضَ لَهُ بِالْمِلْكِ فِي الدَّارِ، أَوْ فِي بَعْضِهَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي حَلَفَ الْوَكِيلُ مَا يَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهُ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ، فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُدَّعًى عَلَى الْمُوَكِّل، وَلَوْ اسْتَحْلَفَ الْوَكِيلُ فِي ذَلِكَ كَانَ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ، وَلَا نِيَابَةَ فِي الْأَيْمَانِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: حَلِّفْهُ مَا سَلَّمَ هُوَ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي بَاطِلٌ، فَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِحْلَافِ فِي دَعْوَى تَسْلِيمٍ بَاطِلٍ.
وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى الْوَكِيلِ أَنَّهُ سَلَّمَ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي، ثُمَّ عُزِلَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِتَسْلِيمٍ بَاطِلٍ، فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْوَكِيلِ الشُّفْعَةَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بَاطِلٌ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ بَاطِلٌ وَمَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ إذَا عُزِلَ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَهُوَ مَا لَوْ وُجِدَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ كَرُجُوعِ الشَّاهِدِ عَنْ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ كَمَا لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ إذَا وُجِدَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَعُزِلَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ وَلَوْ أَقَرَّ هَذَا الْوَكِيلُ فِي مَجْلِسِ هَذَا الْقَاضِي أَنَّهُ سَلَّمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute