وَيَدَّعِي شُفْعَتَهُ حِينَ عَلِمَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَجَهْلُهُ بِوُجُوبِ حَقِّهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ تَسْلِيمِهِ فَجَهْلُهُ بِمِقْدَارِ حَقِّهِ أَوْلَى.
رَجُلٌ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ كُلَّ حَقٍّ هُوَ لَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَعْلَمُ كَمْ نَصِيبِ الْبَائِعِ مِنْ الدَّارِ جَازَ الْبَيْعُ عَلِمَ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: مَا لَمْ يَعْلَمَا جَمِيعًا كَمْ نَصِيبِ الْبَائِعِ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَشْرُوعٌ لِلِاسْتِرْبَاحِ وَجَهْلُ الْبَائِعِ بِمِقْدَارِ نَصِيبِهِ رُبَّمَا يُفَوِّتُ مَقْصُودَهُ مِنْ الْبَيْعِ كَجَهْلِ الْمُشْتَرِي وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ الْمُشْتَرِي يَتَمَلَّكُ بِالشِّرَاءِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَعْلَمَ بِمِقْدَارِ مَا يَتَمَلَّكُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبْضِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَبْضِ وَأَمَّا الْبَائِعُ إنَّمَا تَمَلَّكَ الثَّمَنَ وَيَقْبِضُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ الثَّمَنَ وَمِقْدَارُهُ مَعْلُومٌ لَهُ، فَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ بِمِقْدَارِ نَصِيبِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ عَدَمَ الرُّؤْيَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي يُثْبِتُ الْخِيَارَ لَهُ وَمِنْ الْبَائِعِ لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي كَمْ نَصِيبَ الْبَائِعِ وَعَلِمَ الْبَائِعُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ جَائِزٌ فِي قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إذَا عَلِمَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْبَعْضِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ
وَجْهُ قَوْلِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إنَّ انْعِقَادَ الْبَيْعِ يَكُونُ الْمَبِيعُ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّ نَصِيبَ الْبَائِعِ مِنْ الدَّارِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ يُوَضِّحُهُ أَنَّ قِلَّةَ نَصِيبِهِ وَكَثْرَتَهُ يُؤَثِّرُ فِي الشُّفْعَةِ مِنْ حَيْثُ الشُّفْعَةُ وَالْجَهْلُ بِأَوْصَافِ الْمَبِيعِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ، وَلَكِنْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي إذَا عَلِمَ بِهِ وَيَجِبُ لِلشَّفِيعِ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى تَمَكُّنِ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا أَمَّا فِي الْحَالِ إنْ احْتَاجَ الْمُشْتَرِي إلَى قَبْضِ الْمَبِيعِ أَوْ فِي ثَانِي الْحَالِ إنْ تَقَايَلَا الْبَيْعَ أَوْ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ أَوْ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ وَالْجَهَالَةُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ كَبَيْعِ شَاةٍ مِنْ الْقَطِيعِ وَإِذَا أَخَذَ الشَّفِيعُ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَبِخِيَارِ الْعَيْبِ عَلَى مَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ رَآهَا وَيَبْرَأُ مِنْ عُيُوبِهَا عِنْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ نَائِبًا عَنْ الشَّفِيعِ فَرُؤْيَتُهُ وَرِضَاهُ بِالْعَيْبِ لَا تُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَإِذَا بَنَى الشَّفِيعُ فِي الدَّارِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ مُدَّةٍ رَجَعَ الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ عَلَى مَنْ كَانَتْ عُهْدَتُهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرْجِعْ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي إذَا بَنَى ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ وَنُقِضَ بِنَاؤُهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَغْرُورٌ فَالْبَائِعُ أَوْجَبَ لَهُ الْعَقْدَ بِاخْتِيَارِهِ وَضَمِنَ لَهُ السَّلَامَةَ مِنْ عَيْبِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِذَا ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِحُكْمِ الْغُرُورِ، فَأَمَّا الشَّفِيعُ لَمْ يَصِرْ مَغْرُورًا مِنْ جِهَةِ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ أُجْبِرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute