قَدْ عَرَفَا أَنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَفْضَلُ وَلَكِنَّهُمَا أَرَادَا أَنْ يُيَسِّرَا الْأَمْرَ عَلَى النَّاسِ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّزُونَ عَنْ الْمَشْيِ أَمَامَهَا فَلَوْ اخْتَارَ الْمَشْيَ خَلْفَهَا لَضَاقَ الطَّرِيقُ عَلَى مَنْ يُشَيِّعُهَا. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: فَضْلُ الْمَشْيِ خَلْفَ الْجِنَازَةِ عَلَى الْمَشْيِ أَمَامَهَا كَفَضْلِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى النَّافِلَةِ وَلِأَنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَوْعَظُ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهَا وَيَتَفَكَّرُ فِي حَالِ نَفْسِهِ فَيَتَّعِظُ بِهِ وَرُبَّمَا يُحْتَاجُ إلَى التَّعَاوُنِ فِي حَمْلِهَا فَإِذَا كَانُوا خَلْفَهَا تَمَكَّنُوا مِنْ التَّعَاوُنِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَذَلِكَ أَفْضَلُ وَالشَّفِيعُ إنَّمَا يَتَقَدَّمُ مَنْ يَشْفَعُ لَهُ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ تَعْجِيلِ مَنْ تُطْلَبْ مِنْهُ الشَّفَاعَةُ بِعُقُوبَةِ مَنْ يَشْفَعُ لَهُ حَتَّى يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ إذَا عَجَّلَ بِهِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ هَهُنَا
(قَالَ) وَإِذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَ الْقَبْرِ فَلَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ بِهِ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ حِينَ كَانُوا قِيَامًا مَعَهُ عَلَى رَأْسِ قَبْرٍ فَقَالَ يَهُودِيٌّ: هَكَذَا نَصْنَعُ بِمَوْتَانَا فَجَلَسَ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: خَالِفُوهُمْ» وَإِنَّمَا يُكْرَهُ الْجُلُوسُ قَبْلَ أَنْ تُوضَعَ عَنْ مَنَاكِبِ الرِّجَالِ فَرُبَّمَا يَحْتَاجُونَ إلَى التَّعَاوُنِ قَبْلَ الْوَضْعِ وَإِذَا كَانُوا قِيَامًا أَمْكَنَ التَّعَاوُنُ وَبَعْدَ الْوَضْعِ قَدْ وَقَعَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُمْ إنَّمَا حَضَرُوا إكْرَامًا لَهُ فَالْجُلُوسُ قَبْلَ أَنْ يُوضَعَ عَنْ الْمَنَاكِبِ يُشْبِهُ الِازْدِرَاءَ وَالِاسْتِخْفَافَ بِهِ وَبَعْدَ الْوَضْعِ لَا يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ
(قَالَ): وَحَمْلُ الرِّجَالِ جِنَازَةَ الصَّبِيِّ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الدَّابَّةِ لِأَنَّ فِي حَمْلِهَا عَلَى الدَّابَّةِ تَشْبِيهًا لَهَا بِحَمْلِ الْأَثْقَالِ وَفِي حَمْلِهَا عَلَى الْأَيْدِي إكْرَامٌ لِلْمَيِّتِ وَالصِّغَارُ مِنْ بَنِي آدَمَ مُكَرَّمُونَ كَالْكِبَارِ
(قَالَ): وَمَنْ وُلِدَ مَيِّتًا لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَفِي غُسْلِهِ اخْتِلَافٌ فِي الرِّوَايَاتِ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُسَمَّى وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُسَمَّى وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ الْمُنْفَصِلَ مَيِّتًا فِي حُكْمِ الْجُزْءِ حَتَّى لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ لَا يُغَسَّلُ وَوَجْهُ مَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْمَوْلُودَ مَيِّتًا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ وَمِنْ النُّفُوسِ مَنْ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْجُزْءِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حُكْمِ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ فَلِاعْتِبَارِ الشَّبَهَيْنِ قُلْنَا يُغَسَّلُ اعْتِبَارًا بِالنُّفُوسِ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ اعْتِبَارًا بِالْأَجْزَاءِ. وَإِنْ وُلِدَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ صُنِعَ بِهِ مَا يُصْنَعُ بِالْمَوْتَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حِينَ انْفَصَلَ حَيًّا
(قَالَ): وَإِذَا قُتِلَ الرَّجُلُ شَهِيدًا وَهُوَ جُنُبٌ غُسِّلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يُغَسَّلْ عِنْدَهُمَا قَالَا: صِفَةُ الشَّهَادَةِ تَتَحَقَّقُ مَعَ الْجَنَابَةِ وَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْ غُسْلِهِ لِإِبْقَاءِ أَثَرِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَحَنْظَلَةُ بْنُ عَامِرٍ إنَّمَا غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - إكْرَامًا لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute