فَيَتَمَكَّنُ مِنْ قَبُولِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ وَالْعَمَلِ بِهَا بِحُضُورِ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ الْحَاضِرُ وَاحِدًا لَمْ يَقْسِمْهَا الْقَاضِي وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ خَصْمٌ فَإِنَّ الْحَاضِرَ لَوْ كَانَ خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ فَلَيْسَ هُنَا خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَعَنْ الْغَائِبِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْهُمَا فَلَيْسَ هُنَا مَنْ يُخَاصِمُ عَنْ نَفْسِهِ لِيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَاضِرُ اثْنَيْنِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَالثَّانِي أَنَّ الْحَاضِرَ إذَا كَانَ وَاحِدًا فَهُوَ غَيْرُ مُتَظَلِّمٍ فِي طَلَبِ الْقِسْمَةِ وَلَا طَالِبٌ لِلْإِنْصَافِ إذْ لَيْسَ مَعَهُ مَنْ يَنْتَفِعُ بِمِلْكِهِ حَتَّى يَقُولَ لِلْقَاضِي أَقْسِمْهَا بَيْنَنَا لِكَيْ لَا يَنْتَفِعَ بِمِلْكِي غَيْرِي فَإِذَا حَضَرَ اثْنَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَطْلُبُ الْقِسْمَةَ لِيَسْأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يَمْنَعَ صَاحِبَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ، وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ خَصْمٌ صَغِيرٌ جَعَلَ لَهُ الْقَاضِي وَصِيًّا؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ النَّظَرِ لِلصَّبِيِّ فِي نَصِيبِ الْوَصِيِّ
وَوَصِيُّ الصَّغِيرِ قَائِمٌ مَقَامَ الصَّغِيرِ فَكَأَنَّهُ بَالِغٌ حَاضِرٌ فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ حِينَئِذٍ وَيَأْمُرُ بِالْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَجْعَلُ أَحَدَهُمَا مُدَّعِيًا وَالْآخَرَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَأَحَدَهُمَا خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عَنْ الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ، وَإِنْ كَانَ الْعَقَارُ شِرَاءً بَيْنَهُمْ وَمِنْهُمْ غَائِبٌ لَمْ أَقْسِمْهَا بَيْنَهُمْ، وَإِنْ أَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ؛ لِأَنَّ فِي الْمِيرَاثِ إنَّمَا قَسَّمَهَا عِنْدَ حُضُورِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ لِتَعَذُّرِ اشْتِرَاطِ حُضُورِهِمْ عِنْدَ الْقِسْمَةِ بِطَرِيقِ الْعَادَةِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الشِّرَاءِ فَقَدْ كَانُوا حَاضِرِينَ عِنْدَ الشِّرَاءِ فَتَيَسَّرَ اشْتِرَاطُ حُضُورِهِمْ عِنْدَ الْقِسْمَةِ أَيْضًا وَلِأَنَّ الْحَاضِرَ مِنْ الْمَسِيرَيْنِ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ بِالشِّرَاءِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِلْكٌ جَدِيدٌ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ فِي نَصِيبِهِ وَلَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ بِالْبَيِّنَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ فَأَمَّا فِي الْمِيرَاثِ لَا يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ مِلْكٌ مُتَجَدِّدٌ بِسَبَبٍ حَادِثٍ وَإِنَّمَا يُنْسَبُ إلَيْهِمْ مَا كَانَ مِنْ الْمِلْكِ لِلْمُورَثِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ؛ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهُمْ حَقُّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِ الْمُورَثِ وَيَصِحُّ إقَالَتُهُمْ مَعَهُ فَيَسْتَقِيمُ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَهُمْ خَصْمًا عَنْ الْبَعْضِ فِي ذَلِكَ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِمْ وَهُوَ الْخِلَافَةُ عَنْ الْمَيِّتِ.
وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ مِيرَاثًا وَفِيهَا وَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ وَبَعْضُ الْوَرَثَةِ غَائِبٌ وَبَعْضُهُمْ شَاهِدٌ فَأَرَادَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ الْقِسْمَةَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَوَارِيثِ وَالْوَصِيَّةِ فَإِنَّ الدَّارَ تُقْسَمُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْوَرَثَةِ يُنْتَصَبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَعَنْ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُوصَى لَهُ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَإِذَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ قُسِّمَتْ الدَّارُ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ.
وَلَوْ أَنَّ بَيْتًا فِي دَارٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرَادَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهُ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ وَهُوَ صَغِيرٌ لَا يَنْتَفِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِنَصِيبِهِ إذَا قَسَّمَ لَمْ يُقَسِّمْهُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ لِلْقِسْمَةِ بَيْنَهُمَا مُتَعَنِّتٌ فَإِنْ قَبِلَ الْقِسْمَةَ يَتَمَكَّنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَبِالْقِسْمَةِ يَفُوتُ ذَلِكَ فَالطَّالِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute