للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَصِيرُ الْمَقْصُودُ مَعْلُومًا عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَفَاوَتُ ضَمُّ الرِّضَا بِهِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَعْيَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قِسْمُ الَّذِي لَمْ يَرَ الْمَالَ شَرَّهُمَا فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِقِسْمِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ فِي الصِّفَةِ مِثْلُ مَا أَخَذَهُ صَاحِبُهُ فَإِذَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ لَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ فَيُخَيَّرُ فِي ذَلِكَ كَمَا لَوْ رَأَى عِنْدَ الشِّرَاءِ جُزْءًا مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ، ثُمَّ كَانَ مَا بَقِيَ شَرًّا مِمَّا رَأَى؛ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ.

فَإِذَا اقْتَسَمَ الرَّجُلَانِ دَارًا وَقَدْ رَأَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ظَاهِرَ الدَّارِ وَظَاهِرَ الْمَنْزِلِ الَّذِي أَصَابَهُ وَلَمْ يَرْجُو فِيهِ فَلَا خِيَارَ لَهُمَا إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي الْبُيُوعِ أَنَّ بِرُؤْيَةِ الظَّاهِرِ مِنْ حِيطَانِ الدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ يَسْقُطُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عِنْدَنَا وَلَا يَسْقُطُ عِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا لَمْ يَدْخُلْهَا، فَكَذَلِكَ الْقِسْمَةُ، وَكَذَلِكَ إنْ اقْتَسَمَا بُسْتَانًا وَكَرْمًا فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا الْبُسْتَانَ وَالْآخَرُ الْكَرْمَ وَلَمْ يَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الَّذِي أَصَابَهُ وَلَا رَأَى جَوْفَهُ وَلَا نَخْلَهُ وَلَا شَجَرَهُ وَلَكِنَّهُ رَأَى الْحَائِطَ مِنْ ظَاهِرِهِ فَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَرُؤْيَةُ الظَّاهِرِ مِثْلُ رُؤْيَةِ الْبَاطِنِ وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ جَوَابُهُ فِي الدَّارِ بِنَاءً عَلَى دُورِ الْكُوفَةِ فَإِنَّهَا لَا تَتَفَاوَتُ إلَّا فِي السَّعَةِ وَالضِّيقِ ضَعِيفٌ جِدًّا فَفِي الْبُسْتَانِ الْمَقْصُودُ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْأَشْجَارِ وَالنَّخِيلِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ رُؤْيَةَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَرَفْنَا أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ مَا يَتَعَذَّرُ الِاسْتِقْصَاءُ بِرُؤْيَةِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ مَقَامَ رُؤْيَةِ الْجَمِيعِ فِي إسْقَاطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الثِّيَابِ الْمَطْوِيَّةِ يُجْعَلُ رُؤْيَةُ جُزْءٍ مِنْ ظَاهِرِ كُلِّ ثَوْبٍ كَرُؤْيَةِ الْجَمِيعِ فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ.

وَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِي الْقِسْمَةِ جَائِزٌ فَهُوَ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا فِي اعْتِبَارِ تَمَامِ الرِّضَا كَالْبَيْعِ وَفِي احْتِمَالِ الْفَسْخِ كَذَلِكَ وَالْخِيَارُ بِعَدَمِ تَمَامِ الرِّضَا فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ الْفَسْخُ أَوْ لِئَلَّا يَثْبُتَ صِفَةُ اللُّزُومِ مَعَ بَقَاءِ الْخِيَارِ فِي جَانِبٍ مِنْ شَرْطِ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ فَإِنْ مَضَتْ الثَّلَاثَةُ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الرَّدَّ بِالْخِيَارِ فِي الثَّلَاثَةِ وَادَّعَى الْآخَرُ الْإِجَازَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ قَبْلَ ظُهُورِ الْفَسْخِ مُتَمِّمٌ فَمَنْ يَدَّعِي الْإِجَازَةَ يَتَمَسَّكُ بِمَا يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ بِهِ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي الرَّدَّ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتُهُ تُثْبِتُ الْفَسْخَ وَهُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى الْإِثْبَاتِ دُونَ صَاحِبِهِ وَسُكْنَى الدَّارِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي سَهْمِ صَاحِبِ الْخِيَارِ رِضًا مِنْهُ بِهَا وَإِبْطَالٌ لِلْخِيَارِ وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبُيُوعِ وَأَنَّ مُرَادَهُ حَيْثُ يَقُولُ ذَلِكَ رِضًا مِنْهُ إذَا تَحَوَّلَ إلَيْهَا وَسَكَنَهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَحَيْثُ يَقُولُ: لَا يَكُونُ رِضًا إذَا كَانَ سَاكِنًا فِيهَا فَاسْتَدَامَ السُّكْنَى، وَكَذَلِكَ إنْ بَنَى أَوْ هَدَمَ فِيهَا شَيْئًا أَوْ جَصَّصَهَا أَوْ طَيَّنَ فِيهَا حَائِطًا أَوْ ذَرَعَ الْأَرْضَ أَوْ سَقَاهَا أَوْ قَطَفَ الثَّمَرَةَ أَوْ غَرَسَ الشَّجَرَ أَوْ لَقَّحَ النَّخْلَ أَوْ كَسَحَ الْكَرْمَ فَهُوَ كُلُّهُ رِضًا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَا يُفْعَلُ عَادَةً إلَّا فِي الْمِلْكِ وَمُبَاشَرَتُهُ دَلِيلُ الرِّضَا بِمِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَدَلِيلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>