ثُلُثَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ لَهُ وَكَأَنَّهُ جَحَدَهُ فِي الْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَلَكِنَّ الْإِقْرَارَ بَعْدَ الْجُحُودِ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَمْضَى الْبَيْعَ لَزِمَهُ ثُلُثَا الثَّمَنِ بِثُلُثِ نَصِيبِ الْأَوَّلِ وَثُلُثِ نَصِيبِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ زَعْمَهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّهِ فَبِقَدْرِ مَا يُسَلَّمُ لَهُ بِزَعْمِهِ يَلْزَمُهُ ثُلُثُهُ وَقَدْ سُلِّمَ لَهُ بِزَعْمِهِ ثُلُثَا مَا اشْتَرَاهُ مِنْ الثَّانِي وَيُرْجِعُ بِثُلُثِ الثَّمَنِ حِصَّةَ نَصِيبِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ وَيَبْقَى فِي يَدِ الْبَائِعِ الثَّانِي ثُلُثَا قِسْمِهِ الَّذِي أَصَابَهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي مِنْهُ مَا سَلَّمَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْقِسْمَ إلَّا الثُّلُثَ.
وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ وَتَرَكَ هَذِهِ الْأَرْضَ وَهَذِهِ الدَّارَ مِيرَاثًا، ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَإِنِّي أَقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُخْرِجُهُ قَوْلُهُ: هَذَا مِنْ وَصِيَّتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى دَيْنًا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ التَّرِكَةُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ تُوصَفُ التَّرِكَةُ بِأَنَّهَا مِيرَاثٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّةٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ وَأَنَّهُ مِيرَاثٌ لِوَرَثَتِهِ إذَا سَقَطَ الدَّيْنُ أَوْ رَدَّ الْمُوصَى لَهُ فَلَا يَكُونُ هُوَ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ مُنَاقِضًا فِي كَلَامِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى شِرَاءً مِنْ الْمَيِّتِ أَوْ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً؛ فَإِنَّهُ لَا يُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ فِي كَلَامِهِ فَإِنَّ التَّرِكَةَ اسْمٌ لِمَا كَانَ مِلْكًا لِلْمُوَرِّثِ إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ لَا يَكُونُ مَمْلُوكًا عِنْدَ مَوْتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهَا مِيرَاثٌ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ فَذَلِكَ غَيْرُ مَسْمُوعٍ مِنْهُ لِلتَّنَاقُضِ.
وَإِذَا اقْتَسَمَا الْقَوْمُ دَارًا مِيرَاثًا عَنْ الْمَيِّتِ وَالْمَرْأَةُ مُقِرَّةٌ بِذَلِكَ وَأَصَابَهَا الثَّمَنُ وَعُزِلَ لَهَا عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ ادَّعَتْ أَنَّهُ أَصْدَقَهَا إيَّاهَا وَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِصَدَاقِهَا؛ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا سَاعَدَتْهُمْ عَلَى الْقِسْمَةِ فَقَدْ أَقَرَّتْ أَنَّهَا كَانَتْ لِلزَّوْجِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَصَارَ مِيرَاثًا فِيمَا بَيْنَهُمْ فَهِيَ مُنَاقَضَةٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إذَا اقْتَسَمُوا فَأَصَابَ كُلُّ إنْسَانٍ طَائِفَةً بِجَمِيعِ مِيرَاثِهِ عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمْ فِي قِسْمِ الْآخَرِ بِنَاءً أَوْ نَخْلًا زَعَمَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَنَاهُ أَوْ غَرَسَهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنْهُ الْإِقْرَارُ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِيرَاثٌ لَهُمْ مِنْ الْأَبِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَسَمَ صَارَ مِيرَاثًا لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ دَعْوَى الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ لَا مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ.
وَلَوْ اقْتَسَمُوا دَارًا أَوْ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ وَنَخِيلٌ حَامِلٌ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْحَمْلَ فِي الْقِسْمَةِ وَإِنَّمَا أَشْهَدُوا بِمَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمِيرَاثِهِ مِنْ أَبِيهِ فَإِنَّ الزَّرْعَ وَالثِّمَارَ لَا يَدْخُلَانِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ حَتَّى كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَطْلُبَ نَصِيبَهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي هَذَا كَالْبَيْعِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الثِّمَارَ وَالزَّرْعَ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ مِنْهُ أَوْ فِيهِ، فَكَذَلِكَ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْقِسْمَةِ.
وَلَوْ كَانَتْ لِلدَّارِ وَالْأَرْضِ غَلَّةٌ مِنْ إجَارَةٍ كَانَتْ أَوْ مِنْ ثَمَنِ ثَمَرَةٍ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ بِمَا جَرَتْ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute