كُلُّ مَا يُقْسَمُ فَهُوَ عَلَى هَذَا لَا يُعَادُ ذَرْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مِسَاحَتُهُ وَلَا كَيْلُهُ وَلَا وَزْنُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْقِسْمَةَ وَقَعَتْ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَادَلَةِ وَأَنَّهُ وَصَلَ إلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقُّهُ وَالْبِنَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ وَاجِبٌ مَا لَمْ يَثْبُتْ خِلَافُهُ
وَإِذَا اقْتَسَمَ رَجُلَانِ دَارَيْنِ وَأَخَذَ أَحَدُهُمَا دَارًا وَالْآخَرُ دَارًا، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا غَلَطًا وَجَاءَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ لَهُ كَذَا ذِرَاعًا فِي الدَّارِ الَّتِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَفَصَلَا فِي قِسْمَةٍ؛ فَإِنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ الذَّرْعَ وَلَا تُعَادُ الْقِسْمَةُ وَلَيْسَ هَذَا كَالدَّارِ الْوَاحِدَةِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَأَمَّا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْقِسْمَةُ فَاسِدَةٌ وَالدَّارَانِ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِاتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ حَتَّى لَا تَجُوزَ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَبَيْعُ كَذَا كَذَا ذِرَاعًا مِنْ الدَّارِ الَّتِي فِي يَدِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ، فَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَ ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا فِي دَارِ صَاحِبِهِ فِي الْقِسْمَةِ كَانَتْ الْقِسْمَةُ فَاسِدَةً وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ أَيْضًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ قِسْمَةَ الْخَبَرِ فِي الدَّارِ إنَّمَا تَجْرِي عِنْدَهُمَا إذَا رَأَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ فِيهِ فَأَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَهُوَ كَالْبَيْعِ وَلَكِنْ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ بَيْعَ كَذَا كَذَا ذِرَاعًا مِنْ الدَّارِ جَائِزٌ، فَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِي الْقِسْمَةِ لِأَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقِسْمَةِ وَبِهِ فَارِقُ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّمْيِيزِ هُنَاكَ يَغْلِبُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ فِي الْقِسْمَةِ؛ وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ عِنْدَ طَلَبِ الْبَعْضِ فَإِذَا شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا كَذَا كَذَا ذِرَاعًا فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ لَا يَحْصُلُ التَّمْيِيزُ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ بَلْ الشَّرْطُ وَالشُّيُوعُ يَبْقَى بِذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَا تَصِحُّ الْقِسْمَةُ بِخِلَافِ الدَّارَيْنِ فَمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ هُنَاكَ يَغْلِبُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَتَتَحَقَّقُ الْمُعَاوَضَةُ مَعَ شَرْطِ كَذَا كَذَا ذِرَاعًا لِأَحَدِهِمَا فِي دَارِ صَاحِبِهِ.
وَإِذَا اقْتَسَمَا أَقْرِحَةً فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا قَرَاحَانِ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةَ أَقْرِحَةٍ، ثُمَّ ادَّعَى صَاحِبُ الْقَرَاحَيْنِ أَحَدَ الْأَقْرِحَةِ الَّتِي فِي يَدِ الْآخَرِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُ فَأَصَابَهُ فِي قِسْمَةٍ؛ فَإِنَّهُ يَقْضِي لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ بِالْقِسْمَةِ وَأَثْبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ شَرِيكُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِ صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْأَثْوَابِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الَّذِي فِي يَدِهِ الثَّوْبُ؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ مُسْتَحِقٌّ لَهُ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ ظَاهِرًا وَلَكِنْ لَوْ أَقَرَّ بِمَا ادَّعَى حَقَّ صَاحِبِهِ أَمَرَ بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ فَإِذَا أَنْكَرَ اُسْتُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ.
وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ مِمَّا فِي يَدِ صَاحِبِهِ أَنَّهُ أَصَابَهُ فِي قِسْمَةٍ وَجَاءَ الْآخَرُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ أَصَابَهُ فِي قِسْمَةٍ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الَّذِي لَيْسَ الثَّوْبُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُمَا فِي الثَّوْبِ دَعْوَى الْمِلْكِ وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ فِيهِ تَتَرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُحْتَاجُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute