غَزْلِهِ، فَيُطْرَحُ عَنْهُ مَا أَصَابَ قِيمَةَ الْغَزْلِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فِي الْأَصْلِ قَالَ الْحَاكِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَصَوَابُ هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يَطْرَحَ عَنْهُ أَيْضًا حِصَّةَ مَا تَرَكَهُ مِنْ زِيَادَةِ الْعَمَلِ فِي النَّسِيجِ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فِي ثَلَاثَةِ أَرْطَالٍ غَزْلٍ وَإِنَّمَا أَقَامَ الْعَمَلَ فِي رِطْلَيْنِ مِنْ غَزْلٍ وَهَذَا التَّقْسِيمُ وَالْمَصِيرُ إلَى مَعْرِفَةِ وَزْنِ الثَّوْبِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِقْدَارُ غَزْلِ الدَّافِعِ مَعْلُومًا وَلَا يُعْرَفُ الصَّادِقُ مِنْ الْكَاذِبِ بِالْمَصِيرِ إلَى وَزْنِ الثَّوْبِ، وَهُنَا وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ وَزْنُ غَزْلِ الدَّافِعِ مَعْلُومًا؛ فَلِهَذَا وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى وَزْنِ الثَّوْبِ لِيُعْرَفَ بِهِ الصَّادِقُ مِنْ الْكَاذِبِ.
(قَالَ:) وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ حِنْطَةً إلَى طَحَّانٍ لِيَطْحَنَهَا بِدِرْهَمٍ وَبِرُبْعِ دَقِيقٍ مِنْهَا فَهَذَا فَاسِدٌ وَهُوَ تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ فِي النَّهْيِ عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ، ثُمَّ الْحُكْمُ مَتَى ثَبَتَ فِي حَادِثَةٍ بِالنَّصِّ وَعُرِفَ الْمَعْنَى فِيهِ تَعَدَّى الْحُكْمُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى إلَى الْفَرْعِ وَمِنْ فَرْعِ هَذَا لَوْ دَفَعَ سِمْسِمًا إلَى الرَّجُلِ عَلَى أَنْ يَعْصِرَهُ لَهُ بِرِطْلٍ مِنْ دُهْنِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ أَيْضًا وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَذْبَحَ لَهُ شَاةً بِدِرْهَمٍ وَرِطْلٍ مِنْ لَحْمِهَا فَذَلِكَ فَاسِدٌ وَفِي الْكِتَابِ قَالَ: وَكَيْفَ يُسْتَأْجَرُ بِلَحْمِ شَاةٍ حَيَّةٍ وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَحَبَلِ الْحُبْلَةِ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْأُجْرَةَ مَتَى كَانَتْ مُعَيَّنَةً فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ وَمَا فِي مَضْمُونِ خِلْقَةِ حَيَوَانٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَيْنًا وَتَفْسِيرُ الْمَلَاقِيحِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ مَا تَضْمَنُهُ الْأَصْلَابُ وَالْمَضَامِينُ مَا تَضْمَنُهُ الْأَرْحَامُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ عَلَى عَكْسِ هَذَا فَالْمَلَاقِيحُ مَا تَضْمَنُهُ الْأَرْحَامُ بِإِلْقَاحِ الْفُحُولِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ الْقَائِلِ شَعْرٌ
وَعِدَّةُ الْعَامِ وَعَامٌ قَابِلٌ ... مَلْقُوحَةٌ فِي بَطْنِ نَابِ حَابِلٍ
وَحَبَلُ الْحُبْلَةِ هُوَ بَيْعُ مَا يَحْمِلُ حَبَلُ هَذِهِ النَّاقَةِ وَكَانُوا يَعْتَادُونَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَبْطَلَ الشَّرْعُ ذَلِكَ كُلَّهُ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَعَنْ بَيْعِ الصُّوفِ عَلَى ظُهُورِهَا
فَعَرَفْنَا أَنَّ مَا كَانَ فِي مَضْمُونِ خَلْقِهِ حَيَوَانٌ لَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَإِنْ عَمِلَهُ بِهَذَا الشَّرْطِ كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ بِفَسَادِ الْعَقْدِ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا مِمَّا أَقَامَ الْعَمَلَ فِيهِ فَكَانَ عَامِلًا لِغَيْرِهِ فِيمَا لَا شَرِكَةَ لَهُ فِيهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَسْتَوْجِبُ أَجْرَ الْمِثْلِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ مَا سُمِّيَ لِانْعِدَامِ التَّسْمِيَةِ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ، وَلِوُجُودِ الرِّضَى مِنْهُ بِالْمُسَمَّى فَإِنَّ الْمُسَمَّى مَتَى كَانَ مَعْلُومًا يَتِمُّ الرِّضَى بِهِ، وَإِنْ شَرَطَ مَعَ الدِّرْهَمِ رُبْعَ قَفِيزِ دَقِيقٍ جَيِّدٍ وَلَمْ يَقِلَّ مِنْهَا كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الدَّقِيقَ مَكِيلٌ مَعْلُومٌ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً أَيْضًا وَلَوْ دَفَعَ غَزْلًا إلَى حَائِكٍ لِيَنْسِجَهُ بِذِرَاعٍ مِنْ ذَلِكَ الثَّوْبِ، أَوْ بِجُزْءٍ شَائِعٍ مُسَمًّى فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute