للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ بِمِلْكِهِ وَمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ يُجْعَلُ عَفْوًا فَلَا يَصِيرُ هُوَ بِهِ رَاضِيًا بِسُقُوطِ حَقِّهِ فِي الْحَبْسِ وَرُبَّمَا يَقُولُ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْبَدَلُ لَيْسَ بِمُقَابَلَةِ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يُحْبَسُ الْمُبْدَلُ بِالْبَدَلِ فَإِذْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فِيمَا هُوَ الْأَصْلُ لَا يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ وَلَكِنَّا نَقُولُ حَقُّ الْحَبْسِ يَثْبُتُ لَهُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلَا يَتَأَدَّى ذَلِكَ إلَّا بِحَبْسِ الْأَصْلِ فَثَبَتَ حَقُّهُ فِي حَبْسِ الْأَصْلِ كَمَنْ أَجَّرَ عَيْنًا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ وَهُوَ إنَّمَا عَقَدَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ تَسْلِيمُ الْمَنْفَعَةِ لَا يَتَأَدَّى بِدُونِ الْعَيْنِ لَزِمَهُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ فَهَذَا مِثْلُهُ.

(قَالَ) فِي الْأَصْلِ إنْ كَانَ الْأَجَلُ مِيعَادًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَلَهُ أَنْ لَا يَدْفَعَهُ حَتَّى يَقْبِضَ أَجْرَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوَاعِيدَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ وَهَذَا يَصِيرُ رِوَايَةً فِي فَصْلِ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى عَيْنًا مِنْ بَيَّاعٍ وَوَاعَدَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مُنَجَّمًا فِي كُلِّ سَبْتٍ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَاب؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرٍ بِثَمَنٍ حَالٍّ، وَالْمِيعَادُ لَا يَكُونُ لَازِمًا بِدَلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى صَبَّاغٍ ثَوْبًا يَصْبُغُهُ لَهُ بِأَجْرٍ مُسَمًّى وَوَصَفَ لَهُ الصِّبْغَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَصَفَ لَهُ الصِّبْغَ وَسَمَّاهُ مِنْ زَعْفَرَانٍ، أَوْ عُصْفُورٍ، أَوْ بَقَّمٍ فَقَدْ صَارَ الْمَقْصُودُ مَعْلُومًا لَا تَتَمَكَّنُ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ خَالَفَهُ بِصَبْغِهِ عَلَى غَيْرِ مَا سَمَّى لَهُ إلَّا أَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ الصَّبْغِ فَلِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ مَا سَمَّى لَهُ، أَمَّا ثُبُوتُ الْخِيَارِ؛ فَلِأَنَّهُ فِي أَصْلِ الصَّبْغِ مُوَافِقٌ وَفِي الصِّفَةِ مُخَالِفٌ وَإِذَا اخْتَارَ الْأَخْذَ أَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ مَا سُمِّيَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْمُسَمَّى وَهَذَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخُفِّ وَالْقَلَنْسُوَةِ فَقَدْ قَالَ: هُنَاكَ يُعْطِيهِ أَجْرًا مِثْلَ عَمَلِهِ وَقِيمَةَ مَا زَادَ فِيهِ وَهُنَا لَمْ يَذْكُرْ قِيمَةَ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الصَّبْغَ آلَةُ الْعَمَلِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَى الصَّبَّاغِ بِمَنْزِلَةِ الْحَرَضِ وَالصَّابُونِ فِي عَمَلِ الْغَسَّالِ فَلَا يَصِيرُ صَاحِبُ الثَّوْبِ مُشْتَرِيًا لِلصَّبْغِ حَتَّى تُعْتَبَرَ الْقِيمَةَ عِنْدَ فَسَادِ السَّبَبِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَائِمَ بِالثَّوْبِ لَوْنُ الصَّبْغِ لَا عَيْنُهُ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُشْتَرِيًا؛ لِمَا يَتَّصِلُ بِمِلْكِهِ وَاللَّوْنُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُشْتَرًى بِخِلَافِ الْبِطَانَةِ وَالنَّعْلِ فَذَاكَ يَتَّصِلُ بِعَمَلِهِ بِمِلْكِهِ وَهُوَ عَيْنُ مَالٍ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَتَأَدَّى بِفِعْلِهِ فَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَةَ مَا زَادَ فِيهِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الصَّبْغَ فِي الثَّوْبِ بِمَنْزِلَةِ عَيْنِ مَالٍ قَائِمٍ حُكْمًا حَتَّى لَوْ انْصَبَغَ ثَوْبُ إنْسَانٍ بِصَبْغِ الْغَيْرِ وَاتَّفَقَا عَلَى بَيْعِهِ فَإِنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ يَضْرِبُ فِي الثَّوْبِ بِقِيمَةِ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ وَصَاحِبُ الصَّبْغِ بِقِيمَةِ الصَّبْغِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الصَّبْغُ الْمُتَّصِلُ بِالثَّوْبِ فِي حُكْمِ عَيْنٍ قَابِلٍ لِلْبَيْعِ؛ لِمَا كَانَ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةً وَلَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ بَعْدَ مَا اتَّصَلَ بِالثَّوْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>