فِي خُفِّهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ الْعَامِلُ عَلَى دَعْوَاهُ أَنَّهُ عَمِلَ لَهُ بِغَيْرِ - أَجْرٍ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْخُفِّ يَدَّعِي عَلَيْهِ هِبَةَ النَّعْلِ وَهُوَ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَ يَحْلِفُ عَلَيْهِ وَإِذَا حَلَفَ انْتَفَى مَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَقْدِ يَبْقَى نَعْلُهُ مُتَّصِلًا بِخُفِّ الْغَيْرِ بِإِذْنِ صَاحِبِ الْخُفِّ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ لِاحْتِبَاسِ مِلْكِ الْغَيْرِ عِنْدَهُ وَلَا يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ وَالتَّسْمِيَةِ وَقَدْ انْتَفَى ذَلِكَ، فَأَمَّا الْعَيْنُ مُتَقَوِّمٌ بِنَفْسِهِ وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ أُخِذَتْ بَيِّنَةُ الْعَامِلِ لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ وَلَوْ عَمِلَ الْخُفَّ كُلَّهُ مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْأَجْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْإِسْكَافِ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُسْتَصْنِعِ وَلَكِنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِمَا قَالَ الْإِسْكَافُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاَلَّذِي جَاءَ بِهِ عَيْنُ مِلْكِ الْإِسْكَافِ فَلَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ إلَّا بِمَا رَضِيَ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ.
وَلَوْ أَسْلَمَ ثَوْبًا إلَى صَبَّاغٍ فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ فَقَالَ الصَّبَّاغُ: صَبَغْتُهُ بِدِرْهَمٍ وَقَالَ رَبُّ الثَّوْب: بِدَانِقَيْنِ وَإِنِّي أَنْظُرُ إلَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ فَإِنْ زَادَ دِرْهَمًا، أَوْ أَكْثَرَ فَلَهُ دِرْهَمٌ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ الصَّبَّاغُ مَا صَبَغَهُ بِدَانِقَيْنِ، وَإِنْ كَانَ دَانِقَيْنِ، أَوْ أَقَلَّ؛ فَإِنَّهُ يُعْطِيهِ دَانِقَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ رَبُّ الثَّوْبِ مَا صَبَغَهُ بِدِرْهَمٍ كَمَا يَدَّعِيهِ الصَّبَّاغُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَابِ الْخُصُومَاتِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّبَّاغَ لَا يَجْعَلُ فِي ثَوْبِ إنْسَانٍ صِبْغًا يُسَاوِي دِرْهَمًا بِدَانِقَيْنِ إذَنْ يَخْسَرُ وَهُوَ مَا جَلَسَ لِهَذَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَلْتَزِمُ دِرْهَمًا بِإِزَاءِ صَبْغٍ يُسَاوِي دَانِقَيْنِ إذَنْ يَغْبِنُ وَالْمَغْبُونُ لَا مَحْمُودٌ وَلَا مَأْجُورَ، فَإِذَا كَانَ قِيمَةُ الصَّبْغِ دِرْهَمًا، أَوْ أَكْثَرَ فَلَهُ فَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِلصَّبَّاغِ فَيُجْعَلُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى دَعْوَى خَصْمِهِ، وَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الصَّبْغِ أَقَلَّ مِنْ دَانِقَيْنِ فَالظَّاهِرُ شَاهِدٌ لِرَبِّ الثَّوْبِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى دَعْوَى خَصْمِهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ دَانِقَيْنِ وَأَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ أَعْطَيْت الصَّبَّاغَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مَا صَبَغَهُ بِدَانِقَيْنِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَقُولُ: هُنَا يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَشْهَدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ عَلَى قِيَاسِ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي الْمَهْرِ إذَا كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَا يَشْهَدُ لِقَوْلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
قَالَ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا تَخَالُفَ هُنَا بَلْ الْيَمِينُ عَلَى الصَّبَّاغِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْمُبْتَغَى بِالتَّحَالُفِ الْفَسْخُ وَبَعْدَ اتِّصَالِ الصَّبْغِ بِالثَّوْبِ لَا تَصَوُّرَ لِفَسْخِ الْعَقْدِ فَلَا مَعْنَى لِلتَّحَالُفِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ فَإِنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِلْفَسْخِ بِبَعْضِ الْأَسْبَابِ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ التَّحَالُفُ هُنَا كَانَ عَلَى رَبِّ الثَّوْبِ قِيمَةُ الصَّبْغِ؛ لِأَنَّ لَاتِّصَالِ الصَّبْغِ بِالثَّوْبِ مُوجِبًا وَهُوَ قِيمَتُهُ عَلَى رَبِّ الثَّوْبِ كَالْغَاضِبِ إذَا صَبَغَ ثَوْبَ إنْسَانٍ وَأَرَادَ رَبُّ الثَّوْبِ أَخْذَهُ أَعْطَاهُ قِيمَةَ الصَّبْغِ إلَّا أَنَّ رَبَّ الثَّوْبِ هُنَا يَدَّعِي بَرَاءَتَهُ عَنْ بَعْضِ الْقِيمَةِ بِرِضَاءِ الصَّبَّاغِ بِدَانِقَيْنِ وَالصَّبَّاغُ مُنْكِرٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute