للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَمَلِ مُتَعَذِّرُ وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ فَقَالَ: هُنَاكَ لَا يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِمَا وَاحِدٌ فَإِذَا تَعَذَّرَ فَسْخُهُ فِي الْبَعْضِ بِالْهَلَاكِ يَتَعَذَّرُ فَسْخُهُ فِيمَا بَقِيَ وَهُنَا عَقْدُ لِإِجَارَةِ فِي حُكْمِ عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا بِحَسْبِ مَا يُقِيمُ عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فَإِنَّ تَعَذَّرَ فَسْخِهِ فِي الْبَعْضِ لَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ فِيمَا بَقِيَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: عَمِلْتُهُ لِي بِغَيْرِ أَجْرٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ يُنْكِرُ وُجُوبَ الْأَجْرِ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ إلَى أَجْرِ مِثْلِهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الصَّبَّاغِ وَقَدْ أَشَرْنَا إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَهُنَاكَ الصَّبْغُ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ فِي الثَّوْبِ وَهُوَ مُتَقَوِّمٌ بِنَفْسِهِ وَهُنَا لَا قِيمَةَ لِلْمَنْفَعَةِ بِدُونِ التَّسْمِيَةِ وَقَدْ أَنْكَرَ رَبُّ الثَّوْبِ التَّسْمِيَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ.

وَلَوْ شَارَطَ قَصَّارًا عَلَى أَنْ يُقَصِّرَ لَهُ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ بِدِرْهَمٍ وَلَمْ يُرِهِ الثِّيَابَ وَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ كَانَ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ؛ فَإِنَّهُ الْوَصْفُ الَّذِي يَحْدُثُ فِي الثَّوْبِ بِعَمَلِهِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الثِّيَابِ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالصَّفَاقَةِ وَالرِّقَّةِ وَالْجُودَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَعَمَلُهُ يَتَفَاضَلُ بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَرَاهُ الثِّيَابَ كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ بِرُؤْيَةِ الْمَحَلِّ يَصِيرُ مِقْدَارُ الْعَمَلِ فِيهِ مَعْلُومًا، وَلَوْ مُسَمًّى لَهُ جِنْسًا مِنْ الثِّيَابِ كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ مَا لَمْ يُرِهَا إيَّاهُ؛ لِأَنَّ بِتَسْمِيَةِ الْجِنْسِ لَا يَصِيرُ مِقْدَارُ الْعَمَلِ فِيهِ مَعْلُومًا فَإِنْ بَالَغَ فِي بَيَانِ الصِّفَةِ عَلَى وَجْهٍ يَصِيرُ مِقْدَارُ عَمَلِهِ مَعْلُومًا فَهُوَ وَإِرَاءَتُهُ الثِّيَابَ سَوَاءٌ.

وَلَوْ أَسْلَمَ ثَوْبًا إلَى خَيَّاطٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَخِيطَهُ قَمِيصًا بِدِرْهَمٍ فَخَاطَهُ قَبَاءً فَلِصَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْقَبَاءَ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ مَا سُمِّيَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي أَصْلِ الْخِيَاطَةِ مُوَافِقٌ وَفِي الْهَيْئَةِ وَالصِّفَةِ مُخَالِفٌ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَقُولُونَ الْقَبَاءُ وَالْقَمِيصُ تَتَفَاوَتَانِ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَّفِقُ فَلَمْ يَكُنْ فِي أَصْلِ مَقْصُودِهِ مُخَالِفًا وَإِنَّمَا خَالَفَهُ فِي تَتْمِيمِ الْمَقْصُودِ حَتَّى لَوْ خَاطَهُ سَرَاوِيلًا كَانَ غَاضِبًا ضَامِنًا وَلَا خِيَارٍ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُقَارَبَةَ بَيْنَ الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدٌ وَقَدْ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ شَبَهًا لِيَضْرِبَ لَهُ طَسْتًا فَضَرَبَهُ كُوزًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ وَلَا مُقَارَبَةَ فِي الِاسْتِعْمَالِ هُنَا وَلَكِنَّهُ مُوَافِقٌ فِي أَصْلِ الصَّنْعَةِ مُخَالِفٌ فِي الْهَيْئَةِ وَالصِّفَةِ، فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الثَّوْبِ، وَإِنْ خَاطَهُ سَرَاوِيلَ فَهُوَ فِي أَصْلِ الْخِيَاطَةِ مُوَافِقٌ وَفِي الْهَيْئَةِ مُخَالِفٌ فَإِنْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ أَمَرْتُكَ بِقَمِيصٍ وَقَالَ الْخَيَّاطُ أَمَرَتْنِي بِقَبَاءٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْقَوْلُ قَوْلُ الْخَيَّاطِ لِإِنْكَارِهِ الْخِلَافَ وَالضَّمَانَ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْبَدَلِ تَحَالَفَا إذَا كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>