مَصْبُوغًا بِرُبْعِ قَفِيزٍ فَصَبَغَهُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قَفِيزٍ.
أَمَّا إذَا صَبَغَهُ بِقَفِيزٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَصَاحِبُ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ قِيمَةَ الصَّبْغِ وَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَا أَقَامَ الْعَمَلَ الْمَشْرُوطَ وَلَكِنَّهُ خَالَفَ فِي هَيْئَةِ الْعَمَلِ فِي الِابْتِدَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ قِيمَةِ الصَّبْغِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا تَبَعٌ لِلْآخَرِ فَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ الْأَجْرُ لَا يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الصَّبْغِ فَهُنَا لَمَّا وَجَبَ قِيمَةُ الصَّبْغِ بِسَبَبِ مَا زَادَ مِنْ الصَّبْغِ فِيهِ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْأَجْرِ وَالْحَاكِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُنْتَقَى ذَكَرَ هَذَا التَّقْسِيمَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ إذَا دَفَعَ ثَوْبًا لِيَصْبُغَهُ بِمَنِّ عُصْفُرٍ بِدِرْهَمٍ فَصَبَغَهُ بِمَنَوَيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَصَاحِبُ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ الْأَجْرَ دِرْهَمًا مَعَ قِيمَةٍ مِنْ الصَّبْغِ قَالَ: (قُلْتُ) لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَ لَا يَضْمَنُ لَهُ قِيمَةَ مَنَوَيْنِ مِنْ الصَّبْغِ قَالَ: لِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ يَقُولُ: أَنَا خَادَعْتُهُ حَتَّى رَضِيَ بِدِرْهَمٍ مِنْ قِيمَةِ مَنِّ الصَّبْغِ وَرُبَّمَا تَكُونُ قِيمَتُهُ خَمْسَةً فَبَعْدَ وُجُودِ الرِّضَى مِنْهُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَ زِيَادَةً عَلَيْهِ؛ فَلِهَذَا أَعْطَاهُ الْأَجْرَ مَعَ قِيمَةِ مَنِّ الصَّبْغِ، وَإِنْ كَانَ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ الْأَصَحُّ وَلِأَنَّهُ، وَإِنْ صَبَغَهُ جُمْلَةً فَإِنَّمَا يَتَشَرَّبُ فِيهِ الصَّبْغُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِذَا تَشَرَّبَ فِيهِ الْمِقْدَارُ الْمَشْرُوطُ وَجَبَ الْأَجْرُ فَكَانَ هَذَا وَمَا لَوْ صَبَغَهُ بِدَفْعَتَيْنِ سَوَاءٌ وَلَوْ قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ لَمْ تَصْبُغْهُ إلَّا بِرُبْعٍ عُصْفُرٍ فَإِنْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ الصَّبْغِ يَكُونُ بِرُبْعِ الْهَاشِمِيِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ وَهُوَ يُنْكِرُ وُجُوبَ قِيمَةِ الصَّبْغِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِحْلَافُ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الصَّبَّاغُ بَيِّنَةً، وَإِنْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَكُونُ بِرُبْعِ عُصْفُرٍ وَكَانَ ذَلِكَ يُعْرَفُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّبَّاغِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ وَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.
وَلَوْ قَالَ لِخَيَّاطٍ: اُنْظُرْ إلَى هَذَا الثَّوْبِ فَإِنْ كَفَانِي قَمِيصًا فَاقْطَعْهُ بِدِرْهَمٍ وَخِطْهُ فَقَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ مَا قَطَعَهُ: إنَّهُ لَا يَكْفِيَكَ فَالْخَيَّاطُ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْإِذْنَ بِالشَّرْطِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَ الشَّرْطِ فَإِذَا لَمْ يَكْفِهِ قَمِيصًا فَإِنَّمَا قَطَعَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَمَنْ قَطَعَ ثَوْبَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَقِيمَتِهِ وَلَوْ قَالَ لَهُ: اُنْظُرْ أَيَكْفِينِي قَمِيصًا فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: اقْطَعْهُ فَإِذَا هُوَ لَا يَكْفِيهِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَهُ بِإِذْنِهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ اقْطَعْهُ إذْنٌ مُطْلَقٌ وَلَا يُقَالُ قَدْ غَرَّهُ بِقَوْلِهِ يَكْفِيك؛ لِأَنَّ الْغُرُورَ بِمُجَرَّدِ الْخَبَرِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ضِمْنِ عَقْدِ ضَمَانٍ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْغَارِ كَمَا لَوْ قَالَ: هَذَا الطَّرِيقُ آمِنٌ فَسَلَكَ فِيهِ فَأَخَذَ اللُّصُوصُ مَتَاعَهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَانْعِدَامُ الْإِذْنِ هُنَاكَ بِمَا صَرَّحَ فِي لَفْظِهِ مِنْ الشَّرْطِ حَتَّى لَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute