للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهَا فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ فَإِنْ زَارَهَا أَحَدٌ مِنْ وَلَدِهَا فَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ الْكَيْنُونَةِ عِنْدَهَا؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ لَهُمْ، وَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهَا مِنْ الزِّيَارَةِ إذَا كَانَتْ تَضُرُّ بِالصَّبِيِّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ الْتَزَمَتْ مَا يَرْجِعُ إلَى إصْلَاحِ الصَّبِيِّ وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ، وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالصَّبِيِّ فَلَيْسَ لَهُمْ مَنْعُهَا؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ مَالِكَةٌ أَمْرَ نَفْسِهَا فِيمَا وَرَاءَ مَا الْتَزَمَتْ لَهُمْ.

وَيَجُوزُ لِلْأَمَةِ التَّاجِرَةِ أَنْ تُؤَاجِرَ نَفْسَهَا ظِئْرًا كَمَا أَنَّ لَهَا أَنْ تُؤَاجِرَ نَفْسَهَا لِعَمَلٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِهَا بِتِجَارَتِهَا مَنَافِعُهَا، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبَةُ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ التَّاجِرُ، أَوْ الْمُكَاتَبُ يُؤَاجِرُ أُمَّتَهُ ظِئْرًا، أَوْ يَسْتَأْجِرُ ظِئْرًا لِصَبِيٍّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مِنْ عُقُودِ التِّجَارَةِ وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى إصْلَاحِ كَسْبِهِ إلَيْهِ، فَكَمَا يَشْتَرِي لِصَبِيٍّ لَهُ طَعَامًا، فَكَذَلِكَ يَسْتَأْجِرُ لَهُ الظِّئْرَ لِتُرْضِعَهُ، وَكَمَا يَبِيعُ أَمَتَهُ، فَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا فَإِنْ رَدَّ فِي الرِّقِّ بَعْدَ الِاسْتِئْجَارِ انْتَقَضَتْ الْإِجَارَةُ فَإِنْ كَانَ هُوَ أَجَّرَ أَمَتَهُ لَمْ تُنْتَقَضُ الْإِجَارَةُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَنْتَقِضُ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَنَافِعَ بِالْإِجَارَةِ اُسْتُحِقَّتْ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَبِعَجْزِهِ بَطَلَ حَقُّهُ، وَصَارَ الْحَقُّ فِي الْمَنَافِعِ لِلْمَوْلَى فَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ كَمَا لَوْ مَاتَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي مِلْكِ التَّصَرُّفِ وَالْكَسْبِ حَتَّى يَخْتَصَّ هُوَ بِالتَّصَرُّفِ دُونَ الْمَوْلَى فَعَجْزُهُ يَكُون نَاقِلًا الْحَقَّ مِنْهُ إلَى الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ مَوْتِ الْحُرِّ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ يَبْطُلُ اسْتِئْجَارُهُ، وَبِهِ فَارَقَ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ فَإِنَّ الْكَسْبَ كَانَ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى وَكَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَالْحَجْرُ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ نَاقِلًا الْحَقَّ إلَى مَوْلَاهُ (أَلَا تَرَى) أَنَّ اسْتِئْجَارَهُ لَا يَبْطُلُ فَكَذَلِكَ إجَارَتُهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أُعْتِقَ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّ بِالْعِتْقِ يَتَقَرَّرُ حَقُّهُ فِي مِلْكِ الْكَسْبِ وَالتَّصَرُّفِ

وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا اسْتَبْرَأَ أَمَتَهُ، ثُمَّ عَتَقَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاءٌ جَدِيدٌ وَلَوْ عَجَزَ كَانَ عَلَى الْمَوْلَى فِيهَا اسْتِبْرَاءٌ جَدِيدٌ وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ اشْتَرَى قَرِيبَ نَفْسِهِ مِنْ وَالِدٍ، أَوْ وَلَدٍ امْتَنَعَ بَيْعُهُ وَلَوْ اشْتَرَى قَرِيبَ الْمَوْلَى لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَيْعه وَأَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْمُكَاتَبِ وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ غَنِيًّا فَعَرَفْنَا أَنَّ الْكَسْبَ لَهُ مَا دَامَ مُكَاتَبًا فَبِالْعَجْزِ يَنْتَقِلُ إلَى مَوْلَاهُ

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ عَاجِزًا بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فَكَذَلِكَ إذَا عَجَزَ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: بِعَجْزِهِ انْقَلَبَ حَقُّ الْمِلْكِ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ فَلَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ كَمَا إذَا عَتَقَ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْكَسْبَ دَائِرٌ بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَالْمَوْلَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ حَقُّ الْمِلْكِ لَا حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ امْرَأَةَ مَوْلَاهُ، أَوْ امْرَأَةَ نَفْسِهِ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ، وَلَوْ تَزَوَّجَ الْمَوْلَى أَمَةً مِنْ كَسْبِ مُكَاتَبِهِ لَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ أَمَةً مِنْ كَسْبِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْمِلْكِ وَجَانِبُ الْمَوْلَى فِي حَقِيقَةِ الْمِلْكِ يَتَرَجَّحُ عَلَى جَانِبِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>