وَبُزَاقَهُ يَكُونُ طَاهِرًا وَلِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيِّ إنَّمَا يَتَنَجَّسُ بِاعْتِبَارِ الْمَوْتِ وَلَا حَيَاةَ فِي اللَّبَنِ وَلَا يَحُلُّهُ الْمَوْتُ وَلِأَنَّ الْمُسْتَحِيلَ مِنْ الْغِذَاءِ إلَى فَسَادٍ وَنَتِنِ رَائِحَةٍ يَكُونُ نَجِسًا وَاللَّبَنُ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ فَلِهَذَا كَانَ طَاهِرًا.
وَإِنْ أَجَّرَتْ الظِّئْرُ نَفْسَهَا مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ تُرْضِعُ لَهُمْ صَبِيًّا وَلَا يَعْلَمُ أَهْلُهَا الْأَوَّلُونَ بِذَلِكَ فَأَرْضَعَتْ حَتَّى فَرَغَتْ فَإِنَّهَا قَدْ أَثِمَتْ وَهَذِهِ جِنَايَةٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لِلْأَوَّلِينَ فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ فَصَرْفُ تِلْكَ الْمَنَافِعِ إلَى الْآخَرِينَ يَكُونُ جِنَايَةً مِنْهَا وَلَهَا الْأَجْرُ كَامِلًا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ؛ لِأَنَّهَا حَصَّلَتْ مَقْصُودَ الْفَرِيقَيْنِ وَلَا تَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَتْ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ إنَّمَا أَخَذَتْهُ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهَا فَإِنَّ مَنَافِعَهَا مَمْلُوكَةٌ لَهَا.
وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَسْتَأْجِرَ الْمُسْلِمُ الظِّئْرَ الْكَافِرَةَ أَوْ الَّتِي قَدْ وَلَدَتْ مِنْ الْفُجُورِ؛ لِأَنَّ خُبْثَ الْكُفْرِ فِي اعْتِقَادِهَا دُونَ لَبَنِهَا وَالْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَالرُّسُلُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فِيهِمْ مَنْ أُرْضِعَ بِلَبَنِ الْكَوَافِرِ، وَكَذَلِكَ فُجُورُهَا لَا يُؤَثِّرُ فِي لَبَنِهَا.
فَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا تُرْضِعْ صَبِيًّا لَهُ فِي بَيْتِهَا فَدَفَعَتْهُ إلَى خَادِمِهَا فَأَرْضَعَتْهُ حَتَّى انْقَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ تُرْضِعْهُ بِنَفْسِهَا فَلَهَا أَجْرُهَا؛ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْ فِعْلَ الْإِرْضَاعِ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهَا مُبَاشَرَتُهُ بِنَفْسِهَا فَسَوَاءٌ أَقَامَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ بِخَادِمِهَا فَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُ أَهْلِ الصَّبِيِّ وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْضَعَتْهُ حَوْلًا، ثُمَّ يَبِسَ لَبَنُهَا فَأَرْضَعَتْ خَادِمُهَا حَوْلًا آخَرَ فَلَهَا الْأَجْرُ كَامِلًا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ تُرْضِعُهُ هِيَ وَخَادِمُهَا فَلَهَا الْأَجْرُ تَامًّا وَلَا شَيْءَ لِخَادِمِهَا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ فَفِيمَا زَادَ عَلَى الْمَشْرُوطِ لَا تَسْمِيَةَ فِي حَقِّهَا وَلَا فِي حَقِّ خَادِمِهَا، وَلَوْ يَبِسَ لَبَنُهَا فَاسْتَأْجَرَتْ لَهُ ظِئْرًا كَانَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ الْمَشْرُوطُ وَلَهَا الْأَجْرُ كَامِلًا اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا أَجْرَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ أَجِيرِ الْخَاصِّ وَلَيْسَ لِلْأَجِيرِ الْخَاصِّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ غَيْرَهُ لِإِقَامَةِ الْعَمَلِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَهَا الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَرْبِيَةُ الصَّبِيِّ بِلَبَنِ الْجِنْسِ وَقَدْ حَصَلَ، وَلِأَنَّ مُدَّةَ الرَّضَاعِ تَطُولُ فَلَمَّا اسْتَأْجَرُوهَا مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّهَا قَدْ تَمْرَضُ أَوْ يَيْبَسُ لَبَنُهَا فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ فَقَدْ رَضُوا مِنْهَا بِالِاسْتِئْجَارِ لِتَحْصِيلِ مَقْصُودِهِمْ وَتَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ؛ لِأَنَّ هَذَا رِبْحٌ حَصَلَ لَا عَلَى ضَمَانِهَا «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ».
وَإِذَا اسْتَأْجَرَ امْرَأَتَهُ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهِ مِنْهَا فَلَا أَجْرَ لَهَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهَا الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهَا لِعَمَلٍ غَيْرِ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ حَتَّى لَا تُطَالَبَ بِهِ وَلَا تُجْبَرَ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَتْ فَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ كَالْخِيَاطَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ وَالنَّفَقَةُ مُسْتَحَقَّةٌ لَهَا بِالنِّكَاحِ لَا بِمُقَابَلَةِ الْإِرْضَاعِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا، وَإِنْ أَبَتْ الْإِرْضَاعَ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ فَهُوَ نَظِيرُ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ لَا تَكُونُ مَانِعَةً مِنْ صِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْإِرْضَاعِ.
(وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute