للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْمُسْلِمِينَ، فَأَمَّا الْقُرَى فَلَيْسَتْ بِمَوَاضِعِ أَعْلَامِ الدِّينِ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ إحْدَاثِ ذَلِكَ فِي الْقُرَى.

(قَالَ:) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ عِنْدِي أَصَحُّ فَإِنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْأَمْصَارِ لَا يَفْتَتِنُ بِهِ بَعْضُ جُهَّالِ الْمُسْلِمِينَ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يُظْهِرُوا لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ أَنْ يَضَعُوا مِنْ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ مَا شَاءُوا، وَخَوْفُ الْفِتْنَةِ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ فِي الْقُرَى أَكْثَرُ فَإِنَّ الْجَهْلَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى أَغْلَبُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ «أَهْلُ الْقُبُورِ هُمْ أَهْلُ الْكُفُورِ» وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى مَا قُلْنَا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ لَا تُرَائَى نَارَاهُمَا» وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ».

وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ مُسْلِمًا فَظَهَرَ مِنْهُ فِسْقٌ فِي الدَّارِ أَوْ دَعَارَةٌ أَوْ كَانَ يَجْمَعُ فِيهَا عَلَى الشُّرْبِ مَنَعَهُ رَبُّ الدَّارِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ لَا لِمِلْكِهِ الدَّارَ بَلْ عَلَى سَبِيلِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَاحِبُ الدَّارِ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الدَّارِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الدَّارِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَازِمٌ لَا يُفْسَخُ إلَّا بِعُذْرٍ وَالْعُذْرُ ضَرَرٌ يَزُولُ بِفَسْخِ الْإِجَارَةِ وَهَذَا لَيْسَ مِنْ تِلْكَ الْجُمْلَةِ فَلَا تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ لِأَجْلِهِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ بَاعَهُ الدَّارَ كَانَ يَفْسَخُ الْبَيْعَ؛ لِمَا ظَهَرَ مِنْهُ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ، وَإِذَا سَقَطَ حَائِطٌ مِنْ الدَّارِ فَأَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ تَرْكَ الْإِجَارَةِ نَظَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِالسُّكْنَى فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ مَنْفَعَةُ السُّكْنَى وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِمَا حَدَثَ فَهُوَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَاعْوَرَّ الْعَبْدُ، وَذَلِكَ لَا يُنْقِصُ مِنْ خِدْمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ ذَلِكَ بِالسُّكْنَى فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ لِتَمَكُّنِ الْخَلَلِ فِي مَقْصُودِهِ وَالْعَيْبُ الْحَادِثُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِلسُّكْنَى بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ لِلْخِدْمَةِ إذَا مَرِضَ وَهَذَا؛ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ بِقَبْضِ الدَّارَ لَا تَدْخُلُ الْمَنْفَعَةُ فِي ضَمَانِ الْمُسْتَأْجِرِ فَحُدُوثُ الْمُغَيِّرِ بَعْدَ قَبْضِ الدَّارِ وَقَبْلَهُ سَوَاءٌ إلَّا أَنْ يَنْتَبِهَ صَاحِبُ الدَّارِ قَبْلَ فَسْخِ الْمُسْتَأْجِرِ الْعَقْدَ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ لِزَوَالِ الْعَيْبِ وَارْتِفَاعِ الْمُغَيِّرِ كَالْعَبْدِ إذَا بَرَأَ وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ بِحَضْرَةِ رَبِّ الدَّارِ فَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآجِرِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِ حُكْمِ الرَّدِّ الْآخَرَ فَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا بَعْدَهُ كَمَا فِي رَدَّ الْمَبِيعِ بِالْعَيْبِ.

وَلَوْ خَرَجَ فِي حَالِ غَيْبَةِ رَبِّ الدَّارِ فَالْأَجْرُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ سَكَنَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ مَعَ التَّغَيُّرِ فَلَزِمَهُ الْأَجْرُ، وَكَذَلِكَ إنْ سَكَنَ مَعَ حَضْرَةِ رَبِّ الدَّارِ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ فِي وَصْفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ لَا يُحَطُّ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ كَالْمُشْتَرِي إذَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ.

وَإِنْ سَقَطَتْ الدَّارُ كُلُّهَا فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ شَاهِدًا كَانَ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ غَائِبًا وَفِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>