مَسْأَلَةِ السَّلَمِ فَإِنْ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ قَدْ أَنْفَقْتهَا عَلَيْهِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَتِهِ لِأَنَّ الْأَجْرَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَالْمَدِينُ إذَا ادَّعَى قَضَاءَ الدَّيْنِ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَيُسْتَحْلَفُ رَبُّ الْحَمَّامِ عَلَى عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ لِرَجَاءِ نُكُولِهِ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْلَافَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَمِينٌ فِي هَذِهِ النَّفَقَةِ وَأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِيهَا لَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمَدِينَ ضَامِنٌ مَا فِي ذِمَّتِهِ وَاشْتِرَاطُ كَوْنِ الضَّامِنِ أَمِينًا مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَكَانَ بَاطِلًا، وَلَوْ جَعَلَا بَيْنَهُمَا رَجُلًا يَقْبِضُهَا وَنَفَقَتُهَا عَلَى الْحَمَّامِ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: دَفَعْتهَا إلَيْهِ وَكَذَّبَهُ رَبُّ الْحَمَّامِ فَإِنْ أَقَرَّ الْعَدْلُ بِقَبْضِهَا بَرِئَ الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُ رَبِّ الْحَمَّامِ فِي الْقَبْضِ فَيَصِحُّ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِالْقَبْضِ وَيُجْعَلُ كَإِقْرَارِ الْمُوَكِّلِ بِذَلِكَ فَإِنَّ رَبَّ الْحَمَّامِ حِينَ سَلَّطَهُ عَلَى الْقَبْضِ فَقَدْ سَلَّطَهُ عَلَى الْإِخْبَارِ بِهِ، ثُمَّ الْعَدْلُ أَمِينٌ فِيمَا يَصِلُ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ ضَيَاعٍ أَوْ نَفَقَةٍ مَعَ يَمِينِهِ كَالْمُودِعِ، وَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ كَفِيلًا بِالْأَجْرِ كَانَ مِثْلَ الْمُسْتَأْجِرِ غَيْرَ مُؤْتَمَنٍ وَلَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ ضَامِنٌ؛ لِمَا الْتَزَمَهُ فِي ذِمَّتِهِ كَالْأَصِيلِ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْحَمَّامِ أَنْ يَمْنَعَهُ بِئْرَ الْمَاءِ وَمَسِيلَ مَاءِ الْحَمَّامِ أَوْ مَوْضِعَ سِرْقِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ مَرَافِقِهِ وَمَجَامِعِهِ، وَلَا يَتِمُّ الِانْتِفَاعُ إلَّا بِهِ فَكَانَ بَيْعًا وَالْبَيْعُ يَصِيرُ مَذْكُورًا بِذِكْرِ الْأَصْلِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَدْخَلِ الْحَمَّامِ وَفِنَائِهِ يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِدْرِ الْحَمَّامِ فَهِيَ لِرَبِّ الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ فِي بِنَائِهِ؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيهَا يَشْهَدُ لِرَبِّ الْحَمَّامِ فَإِنَّ اتِّخَاذَ الْقِدْرِ وَإِصْلَاحَهُ عَلَيْهِ.
وَلَوْ أَرَادَ رَبُّ الْحَمَّامِ أَنْ يُقْعِدَ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ أَمِينًا يَقْبِضُ عَلَيْهِ يَوْمًا بِيَوْمٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ صَارَ أَحَقَّ بِالِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ النَّفَقَةِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْعُدَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِرَبِّ الْحَمَّامِ مِنْ غَلَّةِ الْحَمَّامِ شَيْءٌ إنَّمَا لَهُ أَجْرٌ مُسَمًّى فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَأَمَّا فِي الْغَلَّةِ فَهُوَ وَأَجْنَبِيٌّ آخَرُ سَوَاءٌ.
وَلَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَفِي الْحَمَّامِ سِرْقِينٌ كَثِيرٌ وَادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ كَسَائِرِ الْأَمْتِعَةِ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيهِ يَشْهَدُ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ دُونَ رَبِّ الْحَمَّامِ وَيُؤْمَرُ بِنَقْلِهِ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ مَمْلُوكٌ لِرَبِّ الْحَمَّامِ وَلَمْ يَبْقَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِيهِ حَقٌّ فَعَلَيْهِ أَنْ يُفَرِّغَ مِلْكَ الْغَيْرِ عَنْ مَتَاعِهِ، وَكَذَلِكَ فِي الرَّمَادِ إذَا كَانَ مُنْتَفَعًا بِهِ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ لِي وَأَنَا أَنْتَفِعُ بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يَكُونَ الرَّمَادُ مِنْ عَمَلِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْحَمَّامِ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ قِبَلَهُ حَقًّا وَهُوَ نَقْلُ ذَلِكَ الرَّمَادِ وَيُفَرِّغُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَهُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ نَقْلَ الرَّمَادِ وَالسِّرْقِينِ وَالْغُسَالَةِ لَمْ يُفْسِدْ ذَلِكَ الْإِجَارَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute