للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّوْبَ فَيَلْزَمُهُ الْأَجْرُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ.

وَإِذَا اسْتَأْجَرَتْ الْمَرْأَةُ دِرْعًا لِتَلْبَسَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَهَا أَنْ تَلْبَسَهُ بِالنَّهَارِ وَفِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَآخِرِهِ مَا يَلْبَسُ النَّاسُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ التَّسْمِيَةِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُعْتَادِ فِي لُبْسِ ثَوْبِ الصِّيَانَةُ بِالنَّهَارِ وَمِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إلَى وَقْتِ النَّوْمِ وَمِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَيْضًا فَقَدْ يُبَكِّرُونَ خُصُوصًا عِنْدَ طُولِ اللَّيَالِيِ، وَإِنْ لَبِسَتْ اللَّيْلَ كُلَّهُ فَهِيَ ضَامِنَةٌ؛ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ فَإِنَّ ثَوْبَ الصِّيَانَةِ لَا يُنَامُ فِيهِ عَادَةً وَهُوَ مُفْسِدٌ لِلثَّوْبِ فَتَكُونُ ضَامِنَةً إنْ تَخَرَّقَ بِاللَّيْلِ، وَإِنْ تَخَرَّقَ مِنْ لُبْسِهَا فِي غَيْرِ اللَّيْلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ قَدْ ارْتَفَعَ بِمَجِيءِ النَّهَارِ وَإِنَّمَا كَانَتْ ضَامِنَةً بِالْخِلَافِ لَا بِالْإِمْسَاكِ فَإِنَّ لَهَا أَنْ تُمْسِكَ الثَّوْبَ إلَى انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ وَالْأَمِينُ إذَا ضَمِنَ بِالْخِلَافِ عَادَ أَمِينًا بِتَرْكِ الْخِلَافِ كَالْمُودَعِ إذَا خَالَفَ، ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَإِنْ تَخَرَّقَ مِنْ لُبْسِهَا بِاللَّيْلِ فَهِيَ ضَامِنَةٌ وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَجْرٌ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ الَّتِي تَخَرَّقَ فِيهَا الثَّوْبُ وَعَلَيْهَا الْأَجْرُ فِيمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَوْفِيَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ

وَإِنْ سَلِمَ وَلَمْ يَتَخَرَّقْ فَعَلَيْهَا الْأَجْرُ كُلُّهُ لِاسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يُنَافِي الْعَقْدَ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً وَإِذَا بَقِيَ الْعَقْدُ تَحَقَّقَ مِنْهَا اسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَعَلَيْهَا الْأَجْرُ إلَّا فِي السَّاعَةِ الَّتِي ضَمِنَتْ بِالتَّخَرُّقِ لِأَنَّهَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ غَاصِبَةٌ عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا وَلِهَذَا تَقَرَّرَ عَلَيْهَا الضَّمَانُ، وَإِنْ كَانَ الدِّرْعُ لَيْسَ بِدِرْعِ الصِّيَانَةِ إنَّمَا هُوَ دِرْعُ بِذْلَةٍ يُنَامُ فِي مِثْلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ نَامَتْ فِيهِ وَعَلَيْهَا الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ يَسْتَحِقُّ مَا هُوَ الْمُعْتَادُ وَالنَّوْمُ فِي مِثْلِهِ مُعْتَادٌ فَلَا تَكُونُ بِهِ مُخَالِفَةً، وَإِنْ كَانَتْ اسْتَأْجَرَتْهُ لِمُخْرَجٍ تَخْرُجُ فِيهِ يَوْمًا بِدِرْهَمٍ فَلَبِسَتْهُ فِي بَيْتِهَا فَعَلَيْهَا الْأَجْرُ لِأَنَّهَا اسْتَوْفَتْ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَلُبْسُهَا فِي بَيْتِهَا وَلُبْسُهَا إذَا خَرَجَتْ سَوَاءٌ وَرُبَّمَا يَكُونُ لُبْسُهَا فِي بَيْتِهَا أَخَفَّ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ تَلْبَسْ وَلَمْ تَخْرُجْ؛ لِأَنَّهَا تَمَكَّنَتْ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلَوْ ضَاعَ الدِّرْعُ مِنْهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ، ثُمَّ وَجَدَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهَا إذَا صَدَّقَهَا رَبُّ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُتَمَكِّنَةً مِنْ اللُّبْسِ بَعْدَ مَا ضَاعَ الدِّرْعُ مِنْهَا، وَإِنْ لَبِسَتْهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ضَمِنَتْهُ لِانْتِهَاءِ الْعَقْدِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ.

وَإِنْ كَذَّبَهَا رَبُّ الدِّرْعِ فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ فِي يَدِهَا حِينَ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدِّرْعِ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهَا مِنْ اللُّبْسِ فِي الْحَالِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُتَمَكِّنَةً مِنْهُ فِيمَا مَضَى وَلِأَنَّ تَسْلِيمَهُ الثَّوْبَ إلَيْهَا تَمْكِينٌ لَهَا مِنْ لُبْسِهِ، وَذَلِكَ أَمْرٌ ظَاهِرٌ وَمَا تَدَّعِيهِ مِنْ الضَّيَاعِ عَارِضٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَعَلَيْهَا أَنْ تُبَيِّنَهُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الدِّرْعِ لِإِنْكَارِهِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الضَّيَاعِ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ وَلَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا مَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ ذَلِكَ فَيَحْلِفُ عَلَى عِلْمِهِ، وَإِنْ سُرِقَ مِنْهَا أَوْ تَخَرَّقَ مِنْ لُبْسِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَصَابَهُ قَرْضُ فَأْرٍ وَحَرْقُ نَارٍ أَوْ لَحْسُ

<<  <  ج: ص:  >  >>