التَّحَوُّلَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ.
وَقِيلَ بِحُكْمِ الْقَاضِي حَالُهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ رَآهُ قَدْ اسْتَعَدَّ لِلسَّفَرِ قَبِلَ قَوْلَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {، وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة: ٤٦] وَقِيلَ يَقُولُ لَهُ مَعَ مَنْ يَخْرُجُ فَالْإِنْسَانُ لَا يُسَافِرُ إلَّا مَعَ رُفْقَةٍ، ثُمَّ يَسْأَلُ رُفَقَاءَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنْ فُسِخَ الْعَقْدُ وَخَرَجَ الرَّجُلُ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ قَدْ بَدَا لِي فِي ذَلِكَ وَخَاصَمَهُ صَاحِبُ الْبَيْتِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُحَلِّفُ الْمُسْتَأْجِرَ بِاَللَّهِ إنَّهُ كَانَ فِي خُرُوجِهِ قَاصِدًا لِلسَّفَرِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْبَيْتِ يَدَّعِي بُطْلَانَ الْفَسْخِ لِعَدَمِ الْعُذْرِ، وَذَلِكَ يَنْبَنِي، وَمَا فِي ضَمِيرِهِ فِي ضَمِيرِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ.
وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ التَّحَوُّلَ مِنْ تِلْكَ التِّجَارَةِ إلَى تِجَارَةٍ أُخْرَى فَهَذَا عُذْرٌ؛ لِأَنَّ فِي إيفَاءِ الْعَقْدِ ضَرَرًا لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِالْعَقْدِ، وَقَدْ تَرُوجُ نَوْعُ التِّجَارَةِ فِي وَقْتٍ وَتَبُورُ فِي وَقْتٍ آخَرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا، وَلَكِنْ وَجَدَ بَيْتًا هُوَ أَرْخَصُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ عُذْرًا، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى مَنْزِلًا وَأَرَادَ التَّحَوُّلَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ إلَّا مَا الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ وَهُوَ الْتِزَامُ الْأَجْرِ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِالْفَسْخِ هُنَا الرِّبْحُ لَا دَفْعُ الضَّرَرِ.
وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً بِعَيْنِهَا إلَى بَغْدَادَ فَبَدَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ لَا يَخْرُجَ فَهَذَا عُذْرٌ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي إيفَاءِ الْعَقْدِ وَهُوَ تَحَمُّلُ مَشَقَّةِ السَّفَرِ. وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَوْلَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ» لَقُلْتُ الْعَذَابُ قِطْعَةٌ مِنْ السَّفَرِ، وَلَوْ قَالَ رَبُّ الدَّابَّةِ أَنَّهُ يَتَعَلَّلُ فَالسَّبِيلُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لَهُ اصْبِرْ فَإِنْ خَرَجَ فَقَادَ الدَّابَّةَ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ خُطُوَاتُ الدَّابَّةِ. فَإِذَا قَادَهَا مَعَهُ فَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ الْأَجْرُ، وَإِنْ لَمْ يَرْكَبْ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ الْخُرُوجَ فِي طَلَبِ غَرِيمٍ لَهُ، أَوْ عَبْدٍ آبِقٍ فَرَجَعَ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَرِضَ، أَوْ لَزِمَهُ غُرْمٌ، أَوْ خَافَ أَمْرًا، أَوْ عَثَرَتْ الدَّابَّةُ، أَوْ أَصَابَهَا شَيْءٌ لَا يُسْتَطَاعُ الرُّكُوبُ مَعَهُ فَبَعْضُ هَذَا عَيْبٌ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَبَعْضُهُ عُذْرٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْخُرُوجِ وَلَا فَائِدَةَ لِلْمُؤَاجِرِ فِي إيفَاءِ الْعَقْدِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ الْمُسْتَأْجِرُ.
وَإِنْ عَرَضَ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ مَرَضٌ لَا يَسْتَطِيعُ الشُّخُوصَ مَعَ دَابَّتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُنْقِضَ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ بِامْتِنَاعِهِ مِنْ الْخُرُوجِ لَا يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ الدَّابَّةِ، وَأَنَّهُ يُرْسِلُ مَعَهُ رَسُولًا يَتْبَعُ الدَّابَّةَ.
وَكَذَلِكَ لَوْ حَبَسَهُ غَرِيمُهُ وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَ إذَا امْتَنَعَ رَبُّ الدَّابَّةِ مِنْ الْخُرُوجِ فَيَكُونُ هَذَا عُذْرًا، وَإِنْ مَرِضَ فَهُوَ عُذْرٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ غَيْرِي لَا يُشْفِقُ عَلَى دَابَّتِي وَلَا يَقُومُ بِتَعَاهُدِهَا كَقِيَامِي. فَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِمَرَضٍ يَلْحَقُهُ فِي إيفَاءِ الْعَقْدِ ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِالْعَقْدِ.
وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَ إذَا اكْتَرَتْ الْمَرْأَةُ إبِلًا إلَى مَكَّةَ لِلذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَلَدَتْ قَبْل أَنْ تَطُوفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute