لِأَجْلِهِ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ كَانَ الْأَجْرُ وَاجِبًا عَلَيْهِ لِبَقَاءِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَرِضَاهُ بِالْعَيْبِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ فَاحِشٍ فَالْإِجَارَةُ لَازِمَةٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَأْجَرَ الرَّحَا فِي الِابْتِدَاءِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ الْمَاءَ يَزْدَادُ تَارَةً وَيَنْتَقِصُ أُخْرَى فَقَدْ صَارَ رَاضِيًا بِالنُّقْصَانِ الْيَسِيرِ، وَلِأَنَّ مَا لَمْ يُمْكِنْ التَّحَرُّزُ عَنْهُ عَفْوٌ.
وَإِذَا خَافَ رَبُّ الرَّحَا أَنْ يَنْقَطِعَ الْمَاءُ فَتُفْسَخُ الْإِجَارَةُ فَأَكْرَى الْبَيْتَ وَالْحَجَرَيْنِ وَالْمَتَاعَ خَاصَّةً فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَإِنْ انْقَطَعَ الْمَاءُ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَتْرُكَ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ هَذِهِ الْأَعْيَانِ كَانَ لِمَقْصُودٍ مَعْلُومٍ، وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِانْقِطَاعِ الْمَاءِ، وَفِي إيفَاءِ الْعَقْدِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْمَاءِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا ضَرَرٌ لَمْ يَلْزَمْهُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيَكُونُ عُذْرًا لَهُ فِي الْفَسْخِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ الرَّحَا يَطْحَنُ بِجَمَلِهِ فَيَنْفُقُ جَمَلُهُ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَشْتَرِي بِهِ جَمَلًا كَانَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْإِجَارَةَ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَحَا مَاءٍ فَانْكَسَرَ أَحَدُ الْحَجَرَيْنِ أَوْ الدَّوَّارَةُ، أَوْ الْبَيْتُ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ لِزَوَالِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَإِنْ أَصْلَحَ ذَلِكَ رَبُّ الرَّحَا قَبْلَ الْفَسْخِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ بَعْدَ ذَلِكَ لِزَوَالِ الْعُذْرِ فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ، وَلَكِنْ يُرْفَعُ عَنْهُ مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِ ذَلِكَ لِانْعِدَامِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ فِي مِقْدَارِ الْعُطْلَةِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ جَمِيعَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُنْكِرَ الْمُؤَاجِرُ الْبَطَالَةَ أَصْلًا فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِاعْتِبَارِ اسْتِصْحَابِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّا عَرَفْنَا تَمَكُّنَ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الِانْتِفَاعِ عِنْدَ تَسْلِيمِ الرَّحَا، ثُمَّ يَدَّعِي هُوَ عَارِضًا مَانِعًا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّ غَاصِبًا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِانْتِفَاعِ بِالرَّحَا.
وَإِنْ اسْتَأْجَرَ رَحَا مَاءٍ عَلَى أَنْ يَطْحَنَ فِيهَا الْحِنْطَةَ وَلَا يَطْحَنَ غَيْرَهَا فَطَحَنَ فِيهَا شَعِيرًا، أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحُبُوبِ سِوَى الْحِنْطَةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالرَّحَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَضَرَّ عَلَيْهَا مِنْ الْحِنْطَةِ ضَمِنَهُ مَا نَقَصَهَا؛ لِأَنَّ التَّقَيُّدَ مُعْتَبَرٌ إذَا كَانَ مُفِيدًا وَالْخِلَافُ إلَى مَا هُوَ أَضَرُّ عُدْوَانٌ مِنْهُ فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ النُّقْصَانِ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ ضَامِنٌ مِنْ النُّقْصَانِ وَلَا يَجْتَمِعُ الْأَجْرُ وَالضَّمَانُ.
وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ رَحًا وَبَيْتًا مِنْ أَجِيرٍ وَبَعِيرًا مِنْ آخَرَ صَفْقَةً وَاحِدَةً كُلَّ شَهْرٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ كُلِّ عَيْنٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْيَانِ عَلَى الِانْفِرَادِ صَحِيحٌ، ثُمَّ يَقْتَسِمُونَ الْأَجْرَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ الْكُلِّ فَيَتَوَزَّعُ عَلَيْهَا بِالْحِصَّةِ، وَلَوْ اشْتَرَكَ أَرْبَابُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا لِلنَّاسِ بِأَجْرٍ فَمَا طَحَنُوا فَالْأَجْرُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا فَإِنْ أَجَّرُوا الْجَمَلَ بِعَيْنِهِ فَطَحَنَ فَأَجْرُ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْجَمَلِ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى بِمُقَابَلَتِهِ مَنْفَعَةَ الْجَمَلِ وَلِلْآخَرَيْنِ أَجْرُ مِثْلِهِمَا لِنَفْسِهِمَا وَمَتَاعُهُمَا عَلَى صَاحِبِ الْجَمَلِ؛ لِأَنَّ سَلَامَةَ الْأَجْرِ لَهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ فَيَكُونُ هُوَ مُسْتَوْفِيًا لِمَنَافِعِهِمَا، وَقَدْ شُرِطَ بِمُقَابَلَةِ ذَلِكَ أَجْرٌ وَلَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute