للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُ بِحُكْمِ الثَّمَنِ فِي ذَلِكَ فَيُجْعَلُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ.

وَإِذَا تَكَارَى مِنْ الْكُوفَةِ إلَى مَكَّةَ إبِلًا مُسَمَّاةً بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا فَقَالَ الْحَمَّالُ أُخْرِجُك فِي عَشْرِ ذِي الْقَعْدَةِ فَقَالَ الْمُسْتَكْرِي أَخْرِجْنِي فِي خَمْسٍ مَضَيْنَ أَوْ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُخْرِجُهُ فِي خَمْسٍ مَضَيْنَ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ الْفَوْتَ إذَا خَرَجَ بَعْدَ خَمْسٍ مَضَيْنَ فَإِنْ أَرَادَ الْحَمَّالُ أَنْ يُخْرِجَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُلْزِمَهُ ضَرَرَ السَّفَرِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ فَيُسْقِطُ عَنْ نَفْسِهِ مُؤْنَةَ الْعَلَفِ فَلَا يُمْكِنُ مِنْ ذَلِكَ. وَإِذَا طَلَبَ الْمُسْتَكْرِي فِي عَشْرِ ذِي الْقَعْدَةِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُلْزِمَ الْحَمَّالَ ضَرَرَ السَّفَرِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِيَكُونَ هُوَ مُتَرَفِّهًا فِي نَفْسِهِ؛ فَلِهَذَا لَا يُمْكِنُ مِنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ إنَّمَا يَثْبُتُ الْمُتَعَارَفُ وَالْمُتَعَارَفُ الْخُرُوجُ مِنْ الْكُوفَةِ بِخَمْسٍ مَضَيْنَ.

فَإِذَا أَرَادَ الْحَمَّالُ أَنْ يَتَأَخَّرَ إلَى نِصْفِ ذِي الْقَعْدَةِ وَأَبَى ذَلِكَ الْمُسْتَكْرِي فَلَيْسَ لِلْحَمَّالِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ الْفَوْتَ فِي هَذَا التَّأْخِيرِ وَيَلْحَقُ الْمُسْتَكْرِيَ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ بِاسْتِدَامَةِ السَّفَرِ، وَإِنْ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ أَخْرِجْنِي لِلنِّصْفِ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ. وَقَالَ الْحَمَّالُ أُخْرِجُك بِخَمْسٍ مَضَيْنَ فَإِنَّهُ يَرْتَكِبُ مُؤْنَةَ الْعَلَفِ فَإِنِّي أُؤَخِّرُهُ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَلَا أُؤَخِّرُهُ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ إدْرَاكُ الْحَجِّ إذَا خَرَجَ بِعَشَرَةٍ مَضَيْنَ وَالْغَالِبُ هُوَ الْفَوَاتُ إذَا أَخَّرَ الْخُرُوجَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَالْمُسْتَحَقُّ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ صِفَةُ السَّلَامَةِ لَا نِهَايَةُ الْجَوْدَةِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَرْطًا حَمَلَهُمَا عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشَّرْطُ أَمْلَكُ»: أَيْ يُوَفَّى بِهِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُسَلَّفَ فِي كِرَاءِ مَكَّةَ قَبْلَ الْحَجِّ سَنَةً أَوْ بِأَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْحَجِّ مَعْلُومٌ لَا يُجْهَلُ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَذْهَبِنَا إنَّ الْإِجَارَةَ الْمُضَافَةَ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ تَصِحُّ.

(وَعَلَى قَوْلِ) الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَصِحُّ الدَّارُ وَالْحَانُوتُ وَالدَّوَابُّ وَغَيْرُ ذَلِكَ فِيهِ سَوَاءٌ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَصْلِهِ إنَّ جَوَازَ الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَنَافِعَ جُعِلَتْ كَالْأَعْيَانِ الْقَائِمَةِ فَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إذَا اتَّصَلَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ فِي الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ، ثُمَّ الْإِضَافَةُ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ حَتَّى أَنَّ مَا يَتَحَمَّلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَمَا لَا فَلَا كَالْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ، ثُمَّ الْإِجَارَةُ لَا تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَلَا تَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ وَلَا يَمْلِكُ الْأَجْرَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ.

وَإِنْ شُرِطَ التَّعْجِيلُ فَلَوْ انْعَقَدَ الْعَقْدُ صَحِيحًا لَانْعَقَدَ بِصِفَةِ اللُّزُومِ وَيَمْلِكُ الْأَجْرَ بِهِ إذَا شُرِطَ التَّعْجِيلُ فَإِنَّ ذَلِكَ مُوجِبُ الْعَقْدِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ جَوَازَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ لِحَاجَةِ النَّاسِ، وَقَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى الِاسْتِئْجَارِ مُضَافًا إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ فِي وَقْتِ حَاجَتِهِ رُبَّمَا لَا يَجِدُ ذَلِكَ، أَوْ لَا يَجِدُهُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُسَلَّفَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>