للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فُسْطَاطًا مِنْ الْكُوفَةِ إلَى مَكَّةَ ذَاهِبًا وَجَائِيًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا إنِّي أُرِيدُ أَنْ آتِي بِالْبَصْرَةِ. وَقَالَ الْآخَرُ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَرْجِعَ إلَى الْكُوفَةِ وَأَرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ الْفُسْطَاطَ مِنْ صَاحِبِهِ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَدْفَعَ الْكُوفِيُّ إلَى الْبَصْرِيِّ، أَوْ الْبَصْرِيُّ إلَى الْكُوفِيِّ، أَوْ يَخْتَصِمَا فِيهِ إلَى الْقَاضِي بِمَكَّةَ. فَأَمَّا إذَا دَفَعَهُ الْكُوفِيُّ إلَى الْبَصْرِيِّ فَذَهَبَ بِهِ إلَى الْبَصْرَةِ وَاسْتَعْمَلَهُ فَلِرَبِّ الْفُسْطَاطِ أَنْ يُضَمِّنَ الْبَصْرِيَّ قِيمَتَهُ إنْ هَلَكَ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ مُسْتَعْمِلٌ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ صَاحِبُهُ فِيهِ.

وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَنْصِبْهُ فَهُوَ بِالْإِمْسَاكِ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ صَاحِبُهُ فِيهِ يَكُونُ ضَامِنًا قِيمَتَهُ إنْ هَلَكَ وَعَلَيْهِمَا حِصَّةُ الذَّهَابِ مِنْ الْأَجْرِ وَلَا أَجْرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الرُّجُوعِ أَمَّا الْبَصْرِيُّ فَلِأَنَّهُ مَا رَجَعَ مِنْ الْكُوفَةِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ وَأَمَّا الْكُوفِيُّ فَلِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَكِّنًا مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الرُّجُوعِ حِينَ ذَهَبَ الْبَصْرِيُّ بِالْفُسْطَاطِ، وَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْكُوفِيَّ فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إلَى الْبَصْرَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَقَدْ تَعَدَّى بِالتَّسْلِيمِ إلَى صَاحِبِهِ لِيُمْسِكَهُ عَلَى خِلَافِ مَا رَضِيَ بِهِ صَاحِبُهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ وَيُضَمِّنَ الْبَصْرِيَّ نِصْفَ قِيمَتِهِ.

وَإِنْ قَالَ الْكُوفِيُّ لَمْ آمُرْهُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إلَى الْبَصْرَةِ، وَلَكِنِّي دَفَعْته إلَيْهِ لِيُمْسِكَهُ حَتَّى يَرْتَحِلَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْفُسْطَاطَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْتَأْجَرِينَ أَنْ يَتْرُكَهُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَلَا يَكُونُ تَسْلِيمُهُ إلَى صَاحِبِهِ لِيُمْسِكَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَنَاوَلَ الْإِذْنَ مُوجِبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ سَبَبَ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَصَاحِبُ الْفُسْطَاطِ يَدَّعِي ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنْ دَفَعَهُ الْبَصْرِيُّ إلَى الْكُوفِيِّ فَرَجَعَ بِهِ إلَى الْكُوفَةِ فَالْكِرَاءُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا عَلَى الْبَصْرِيِّ نِصْفُهُ وَعَلَى الْكُوفِيِّ نِصْفُهُ؛ لِأَنَّ الْكُوفِيَّ اسْتَوْفَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الرُّجُوعِ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ، وَفِي نَصِيبِ الْبَصْرِيِّ بِتَسْلِيطِهِ إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ.

وَذَلِكَ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ اسْتِيفَائِهِ بِنَفْسِهِ فَيَجِبُ الْكِرَاءُ عَلَيْهِمَا وَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ هَلَكَ قِيلَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْبَصْرِيُّ ضَامِنًا وَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ فِي الرُّجُوعِ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ إلَى أَجْنَبِيٍّ آخَرَ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْفُسْطَاطِ هُنَا قَدْ رَضِيَ بِرَأْيِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النَّصْبِ وَاخْتِيَارِ الْمَوْضِعِ لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَصَاحِبُ الْفُسْطَاطِ هُنَاكَ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِهِ فِي اخْتِيَارِ مَوْضِعِ النَّصْبِ، وَإِنْ غَصَبَهُ الْكُوفِيُّ فَعَلَى الْكُوفِيِّ حِصَّتُهُ مِنْ الْأَجْرِ ذَاهِبًا وَجَائِيًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْبَصْرِيِّ أَجْرُهُ ذَاهِبًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَجْرٌ فِي الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَلَمْ يَكُنْ هُوَ مُتَمَكِّنًا مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>