للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ بَعْدَ الْوُجُودِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِقَدْرِ الْإِجَارَةِ مِمَّا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بَعْدَ الْوُجُودِ، وَلِأَنَّ مَحَلَّ الْإِجَارَةِ الْمَنْفَعَةُ وَهِيَ عَرْضٌ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهَا وَالثَّمَرَةُ تَقُومُ بِنَفْسِهَا كَالشَّجَرَةِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَمَلَّكَ الشَّجَرَةَ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ. فَكَذَلِكَ الثَّمَرَةُ، وَلِأَنَّ الْمُؤَاجِرَ يَلْتَزِمُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إبْقَائِهِ فَرُبَّمَا تُصِيبُ الثَّمَرَةَ آفَةٌ، وَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْبَشَرِ اتِّخَاذُهَا، وَكَذَلِكَ أَلْبَانُ الْغَنَمِ وَصُوفُهَا وَسَمْنُهَا وَوَلَدُهَا كُلُّ ذَلِكَ عَيْنٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ فَلَا يُتَمَلَّكُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ.

وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ وَرَطْبَةٌ، أَوْ شَجَرٌ، أَوْ قَصَبٌ، أَوْ كَرْمٌ، أَوْ مَا يَمْنَعُ مِنْ الزِّرَاعَةِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ الْأَرْضِ لِمَنْفَعَةِ الزِّرَاعَةِ وَهَذِهِ الْمَنْفَعَةُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا مَعَ هَذِهِ الْمَوَانِعِ فَقَدْ الْتَزَمَ بِالْعَقْدِ تَسْلِيمَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُ الْمُسْتَأْجِرِ مَا فِيهَا فَهُوَ عَيْنٌ لَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهُ بِالْإِجَارَةِ.

وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْآجَامِ وَالْأَنْهَارِ لِلسَّمَكِ وَلَا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اسْتِحْقَاقُ الْعَيْنِ، وَلِأَنَّ السَّمَكَ صَيْدٌ مُبَاحٌ فَكُلُّ مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْمُؤَاجِرِ بِالْإِجَارَةِ مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا لَهُ، وَلِأَنَّ الْمُؤَاجِرَ يَلْتَزِمُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ بِهِ فَإِنْ أَجَّرَهَا لِلزِّرَاعَةِ فَهِيَ لَيْسَتْ بِصَالِحَةٍ لِذَلِكَ، وَإِنْ أَجَّرَهَا لِلسَّمَكِ فَرُبَّمَا يَجِدُهُ الْمُسْتَأْجِرُ، وَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْآخَرِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ تَحْصِيلِ ذَلِكَ.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ بِئْرًا شَهْرَيْنِ لِيَسْقِيَ مِنْهَا أَرْضَهُ وَغَنَمَهُ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ النَّهْرُ وَالْعَيْنُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَاءُ وَهُوَ عَيْنٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَمَلَّكَ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَلِأَنَّ الْمَاءَ أَصْلُ الْإِبَاحَةِ مَا لَمْ يُحْرِزْهُ الْإِنْسَانُ بِإِنَائِهِ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّاسِ كَافَّةً قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي الثَّلَاثِ فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ» فَالْمُسْتَأْجِرُ فِيهِ وَالْآخَرُ سَوَاءٌ؛ فَلِهَذَا لَا يُسْتَوْجَبُ عَلَيْهِ أَجْرٌ بِسَبَبِهِ.

وَإِنْ اسْتَأْجَرَ نَهْرًا لِيُجْرِيَ فِيهِ شِرْبًا لَهُ إلَى أَرْضِهِ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَالَ أَرَأَيْت لَوْ اسْتَأْجَرَ مَسِيلَ مَاءٍ عَلَى سَطْحٍ لِيَسِيلَ مَا أَسْطَحَهُ فِيهِ أَكَانَ يَجُوزُ ذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ فَاسِدٌ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ إنْ اسْتَأْجَرَ مَوْضِعًا مُعَيَّنًا مَعْلُومًا لِذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَزُولُ بِتَعْيِينِ الْمَوْضِعِ وَهِيَ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ فَالِاسْتِئْجَارُ لِأَجْلِهِ يَصِحُّ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ مَجْهُولٌ فِي نَفْسِهِ فَإِنَّ الضَّرَرَ يَتَفَاوَتُ بِقِلَّةِ الْمَاءِ وَكَثْرَتِهِ وَإِعْلَامُ مِقْدَارِ الْمَاءِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَرُبَّمَا لَا يَأْخُذُ الْمَاءُ جَمِيعَ الْمَوْضِعِ الَّذِي عَيَّنَهُ وَرُبَّمَا يَزْدَادُ عَلَيْهِ فَلِلْجَهَالَةِ قُلْنَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ كُلَّ شَهْرٍ بِطَعَامِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ طَعَامَهُ مَجْهُولٌ وَهُوَ عَلَى رَبِّ الْعَبْدِ. فَإِذَا شَرَطَهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَانَ فَاسِدًا وَالْمَجْهُولُ مَتَى ضُمَّ إلَى الْمَعْلُومِ يَصِيرُ الْكُلُّ مَجْهُولًا بِهِ، وَكَذَلِكَ اسْتِئْجَارُ الدَّابَّةِ بِأَجْرٍ مُسَمًّى وَعَلَفُهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ إجَارَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>