الْمَاءِ لِيَنْظُرَ فِيهِ إذَا سَوَّى عِمَامَتَهُ فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ لَا أَجْرَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ هَذِهِ الْعُقُودِ. فَكَذَلِكَ فِيمَا سَبَقَ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَجُلًا لِيُعَلِّمَ وَلَدَهُ الْقُرْآنَ أَوْ الْفِقْهَ، أَوْ الْفَرَائِضَ عِنْدَنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ ذَلِكَ فَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ طَاعَةٍ يَخْتَصُّ بِهَا الْمُسْلِمُ فَالِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا بَاطِلٌ وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ كُلُّ مَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَجِيرِ إقَامَتُهُ فَالِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ صَحِيحٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْكَلَامَ فِيهِ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْحَجِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ الْأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَأْكُلُوا بِهِ» «. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُدَرِّسِ الْعِلْمِ إيَّاكَ وَالْخُبْزَ الرُّقَاقَ وَالشَّرْطَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» وَلَمَّا أَقْرَأَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجُلًا سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ أَعْطَاهُ عَلَى ذَلِكَ قَوْسًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتُحِبُّ أَنْ يُقَوِّسَكَ اللَّهُ بِقَوْسٍ مِنْ نَارٍ فَقَالَ لَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُدَّ عَلَيْهِ قَوْسَهُ».
وَلِأَنَّ مَنْ يُعَلِّمُ غَيْرَهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَعْمَلُ فَإِنَّهُ بُعِثَ مُعَلِّمًا وَهُوَ مَا كَانَ يَطْمَعُ فِي أَجْرٍ عَلَى التَّعْلِيمِ. فَكَذَلِكَ مَنْ يَخْلُفُهُ وَعَمَلُهُ ذَلِكَ قُرْبَةٌ وَمَنْفَعَةُ عَمَلٍ يَحْصُلُ لَهُ فَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّسْلِيمِ إلَى غَيْرِهِ وَبِدُونِ التَّسْلِيمِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ وَبَعْضُ أَئِمَّةِ بَلْخِي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اخْتَارُوا قَوْلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَقَالُوا إنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بَنَوْا هَذَا الْجَوَابَ عَلَى مَا شَاهَدُوا فِي عَصْرِهِمْ مِنْ رَغْبَةِ النَّاسِ فِي التَّعْلِيمِ بِطَرِيقِ الْحِسْبَةِ وَمُرُوءَةِ الْمُتَعَلِّمِينَ فِي مُجَازَاتِ الْإِحْسَانِ بِالْإِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ.
فَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَقَدْ انْعَدَمَ الْمَعْنَيَانِ جَمِيعًا فَنَقُولُ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ هَذَا الْبَابُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَخْتَلِفَ الْحُكْمُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَخْرُجْنَ إلَى الْجَمَاعَاتِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ مَنَعَهُنَّ مِنْ ذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ مَا رَوَاهُ مِنْ ذَلِكَ صَوَابًا وَلَوْ اسْتَأْجَرُوا مَنْ يَؤُمُّهُمْ فِي رَمَضَانَ، أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى غَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَأْجَرُوا مَنْ يُؤَذِّنُ لَهُمْ فَالْمُؤَذِّنُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدُّعَاءِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْفَعَةُ عَمَلِهِ تَحْصُلُ لَهُ؛ لِأَنَّ بِكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ يَزْدَادُ ثَوَابُهُ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا ذُكِرَ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كَانَ مِنْ آخِرِ مَا عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ قَالَ صَلِّ بِالْقَوْمِ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ، وَإِنْ اتَّخَذْتَ مُؤَذِّنًا فَلَا تَأْخُذْ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا» وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ إنِّي أُحِبُّك فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنِّي أُبْغِضُك فِي اللَّهِ قَالَ وَلِمَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّك تَأْخُذُ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute