مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ. فَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْمِلُ حِمْلَ الْجِيفَةِ إلَى الْمَقْبَرَةِ لِإِمَاطَةِ الْأَذَى. فَأَمَّا حَمْلُهُمَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ (وَقُلْت) أَنَا إنْ كَانَ الْأَجِيرُ عَالِمًا بِمَا أُمِرَ بِحَمْلِهِ فَلَا أَجْرَ لَهُ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَلَهُ الْأَجْرُ لِمَعْنَى الْغُرُورِ وَاسْتِئْجَارُ الذِّمِّيِّ الدَّابَّةَ مِنْ الْمُسْلِمِ، أَوْ السَّفِينَةَ لِيَنْقُلَ عَلَيْهَا خَمْرًا عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ يَرْعَى لَهُ خَنَازِيرَ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ الشَّاةِ وَالْبَعِيرِ فِي حَقِّنَا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَبِيعَ لَهُ مَيْتَةً، أَوْ دَمًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ أَحَدٍ فَحُكْمُهُمْ فِيهَا كَحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤَاجِرَ الْمُسْلِمُ دَارًا مِنْ الذِّمِّيِّ لِيَسْكُنَهَا فَإِنْ شَرِبَ فِيهَا الْخَمْرَ، أَوْ عَبَدَ فِيهَا الصَّلِيبَ، أَوْ أَدْخَلَ فِيهَا الْخَنَازِيرَ لَمْ يَلْحَقْ الْمُسْلِمَ إثْمٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَاجِرْهَا لِذَلِكَ وَالْمَعْصِيَةُ فِي فِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ وَفِعْلُهُ دُونَ قَصْدِ رَبِّ الدَّارِ فَلَا إثْمَ عَلَى رَبِّ الدَّارِ فِي ذَلِكَ كَمَنْ بَاعَ غُلَامًا مِمَّنْ يَقْصِدُ الْفَاحِشَةَ بِهِ، أَوْ بَاعَ جَارِيَةً مِمَّنْ لَا يَشْتَرِيهَا، أَوْ يَأْتِيهَا فِي غَيْرِ الْمَأْتَى لَمْ يَلْحَقْ الْبَائِعَ إثْمٌ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا الْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ لَوْ اتَّخَذَ فِيهَا بِيعَةً، أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَاعَ فِيهَا الْخَمْرَ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي السَّوَادِ وَيُمْنَعُونَ مِنْ إحْدَاثِ ذَلِكَ فِي الْأَمْصَارِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِيمَا سَبَقَ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ ثَوْبَةَ بْنِ نَمِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا إخْصَاءَ وَلَا كَنِيسَةَ فِي الْإِسْلَامِ» وَلِحَدِيثِ مَكْحُولٍ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَالَحَهُمْ بِالشَّامِ عَلَى أَنْ يُحَصِّلَ عَنْ كَنَائِسِهِمْ الْقَدِيمَةِ وَعَلَى أَنْ لَا يُحْدِثُوا كَنِيسَةً فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ.
وَإِنْ اسْتَأْجَرَ الْمُسْلِمُ مِنْ الْمُسْلِمِ بَيْتًا لِيُصَلِّي فِيهِ الْمَكْتُوبَةَ، أَوْ التَّرَاوِيحَ لَمْ يَجُزْ وَلَا أَجْرَ لَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَقْدَ إقَامَةُ الطَّاعَةِ، ثُمَّ يَحِقُّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ دِينًا تَمْكِينُ الْمُسْلِمِ مِنْ مَوْضِعٍ يُصَلِّي فِيهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا فَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَقْتُلَ لَهُ رَجُلًا أَوْ يَشُجَّهُ، أَوْ يَضْرِبَهُ ظَالِمًا لَمْ يَجُزْ وَلَا أَجْرَ لَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَقْدَ إقَامَةُ الطَّاعَةِ، ثُمَّ يَحِقُّ عَلَى كُلٍّ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَلَوْ جَازَ الْعَقْدُ لَصَارَ إقَامَةُ الْعَمَلِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ وَفِعْلُ مَا هُوَ ظُلْمٌ لَا يَكُونُ مُسْتَحَقًّا عَلَى أَحَدٍ شَرْعًا، وَلَوْ أَعْطَاهُ سِلَاحًا لِذَلِكَ فَضَاعَ أَوْ انْكَسَرَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ
، وَلَوْ أَنَّ قَاضِيًا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَضْرِبَ حَدًّا قَدْ لَزِمَهُ، أَوْ لِيَقْبِضَ مِنْ رَجُلٍ، أَوْ لِيَقْطَعَ يَدَ رَجُلٍ أَوْ لِيُقَوِّمَ عَلَيْهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ شَهْرًا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ فَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ وَلَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنَافِعُهُ فِي الْمُدَّةِ حَتَّى يَسْتَوْجِبَ الْأَجْرَ بِتَسَلُّمِ النَّفْسِ وَهُوَ مَعْلُومٌ، ثُمَّ يَحْكُمَ أَنَّهُ مَلَكَ مَنَافِعَهُ لِيَسْتَعْمِلَهُ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ وَغَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute