للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَوْزُونَةِ فَإِنَّهَا تَتَفَاوَتُ فِي الْوَزْنِ. فَأَمَّا مَا يُعَدُّ وَلَا يُوزَنُ كَالْعِطْرِ يَفِي. فَإِذَا سُمِّيَ الْعَدَدُ فِيهِ جَازَ كَمَا فِي الْفُلُوسِ، وَإِنْ أَشَارَ إلَى دَرَاهِمَ بِعَيْنِهَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةَ الْقَدْرِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ السَّلَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ فِي الْبُيُوعِ فَإِنْ قَالَ مِائَةُ دِرْهَمٍ عَدَدًا مِمَّا يَدْخُلُ فِي الْمِائَةِ خَمْسَةٌ كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ سُمِّيَ الْوَزْنُ بِمَا ذُكِرَ مَعْنَاهُ فِيمَا يَزِنُ خَمْسَةً وَتِسْعِينَ دِرْهَمًا فَكَأَنَّهُ قَالَ مِائَةٌ إلَّا خَمْسَةً

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَكْتُبُ لَهُ مُصْحَفًا، أَوْ فِقْهًا مَعْلُومًا كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَمَلٌ مَعْلُومٌ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، ثُمَّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ مُتَعَارَفٌ وَقِيلَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْكِتَابَةِ كَالِاسْتِئْجَارِ عَلَى الصِّيَاغَةِ؛ لِأَنَّ بِعَمَلِهِ يُحْدِثُ لَوْنَ الْحَبْرِ فِي الْبَيَاضِ أَوْ كَالِاسْتِئْجَارِ عَلَى النَّقْشِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ أَهْلِ الصَّنْعَةِ.

(قَالَ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا يَحْصُلُ بِعَمَلِ الْأَجِيرِ وَهِيَ الْكِتَابَةُ بِخِلَافِ التَّعْلِيمِ فَالْمَقْصُودُ هُنَاكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِمَعْنًى فِي الْمُتَعَلِّمِ وَإِيجَادُ ذَلِكَ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْمُعَلِّمِ بَيْنَهُمَا.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَعْمَلُ عَمَلًا فَلَا أَجْرَ لَهُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ نَصِيبَهُ مِنْ دَارٍ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْوَصِيُّ نَفْسَهُ، أَوْ عَبْدَهُ يَعْمَلُ لِلْيَتِيمِ لَمْ يَجُزْ أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَنْفَرِدُ بِالْعَقْدِ لِلْيَتِيمِ مَعَ نَفْسِهِ بِحَالٍ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِمَنْفَعَةٍ ظَاهِرَةٍ وَلَا مَنْفَعَةَ هُنَا؛ لِأَنَّ مِنْ جِهَةِ الْوَصِيِّ مِمَّا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ لِنَفْسِهِ وَيَشْتَرِطُ عَلَى الْيَتِيمِ بِمُقَابَلَتِهِ مَالًا مُتَقَوِّمًا فَهَذَا لَا يَجُوزُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ الْيَتِيمَ، أَوْ عَبْدَ الْيَتِيمِ بِمَالِ نَفْسِهِ لِيَعْمَلَ لَهُ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ الظَّاهِرَةِ لِلْيَتِيمِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مَالًا بِإِزَاءِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَالْأَبُ يَسْتَأْجِرُ نَفْسَهُ، أَوْ عَبْدَهُ لِعَمَلٍ يَعْمَلُهُ لِوَلَدِهِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَيَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّ شَفَقَةَ الْأُبُوَّةِ تَمْنَعُهُ مِنْ تَرْكِ النَّظَرِ لَهُ فَيَجُوزُ عَقْدُهُ مَعَ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ مَنْفَعَةٍ ظَاهِرَةٍ لِوَلَدِهِ فِيهِ.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْوَصِيُّ مِنْ نَفْسِهِ عَبْدًا لِلْيَتِيمِ لِيَعْمَلَ لِيَتِيمٍ آخَرَ مِنْ حُجْرَةٍ وَهُوَ وَصِيُّهُمَا فَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إنْ نَفَعَ أَحَدَهُمَا أَضَرَّ بِالْآخَرِ وَهُوَ لَا يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ إلَّا بِمَنْفَعَةٍ ظَاهِرَةٍ وَلَا يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ فَلَا يَمْلِكُهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إلَى وَلِيِّهِ وَلَهُ الْأَجْرُ إنْ عَمِلَ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ وَوُجُوبُ الْأَجْرِ بِاعْتِبَارِهِ. فَإِذَا بَطَلَ لَمْ يَجِبْ الْأَجْرُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ مِنْهُ تَمَحُّضُ مَنْفَعَةٍ بَعْدَ إقَامَةِ الْعَمَلِ فَإِنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا الْعَقْدَ اسْتَوْجَبَ الْأَجْرَ، وَلَوْ لَمْ يَعْتَبِرْهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ الْأَجْرُ وَالصَّبِيُّ لَا يَكُونُ مَحْجُورًا عَمَّا يَتَمَحَّضُ مَنْفَعَةً لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>