ثُمَّ مِقْدَارُ مَا يَبْنِي مَجْهُولٌ وَالضَّرَرُ عَلَى حِيطَانِ السُّفْلِ يَتَفَاوَتُ بِقِلَّةِ ذَلِكَ وَكَثْرَتِهِ وَرُبَّمَا تُفْضِي هَذِهِ الْجَهَالَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ بِخِلَافِ الْأَرْضِ فَالضَّرَرُ عَلَى الْأَرْضِ لَا يَخْتَلِفُ بِخِفَّةِ الْبِنَاءِ وَثِقَلِهِ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَوْضِعَ كُوَّةٍ يَنْقُبُهَا فِي حَائِطٍ لَهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْهَا الضَّوْءُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ إجَارَةِ النَّاسِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِانْتِفَاعُ بِمَا لَيْسَ مِنْ مِلْكِ الْمُؤَاجِرِ وَهُوَ ضَوْءُ الشَّمْسِ. فَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ مَوْضِعًا لِيَمْتَدَّ فِي حَائِطٍ يُعَلِّقُ عَلَيْهِ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ أَرْضٌ وَبِهَذَا اللَّفْظِ يَسْتَدِلُّ مَنْ لَا يُجَوِّزُ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - اسْتِئْجَارَ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَرْضِ فَفِي تَأَمُّلِهِ تَنْصِيصٌ عَلَى هَذَا، ثُمَّ الضَّرَرُ عَلَى الْحَائِطِ يَخْتَلِفُ بِخِفَّةِ مَا يُعَلِّقُهُ عَلَى الْوَتَدِ أَوْ بِثِقَلِهِ فَهُوَ مَجْهُولٌ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ إعْلَامُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ مَوْضِعَ مِيزَابٍ فِي حَائِطٍ لِأَنَّ الضَّرَرَ عَلَى الْحَائِطِ يَتَفَاوَتُ بِقِلَّةِ الْمَاءِ الَّذِي يَسِيلُ وَكَثْرَتِهِ فَأَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَ مِيزَابًا مُدَّةً مَعْلُومَةً لِيَنْصِبَهُ فِي حَائِطٍ يَسِيلُ فِيهِ مَاؤُهُ فَهَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ اسْتَأْجَرَهُ لِمَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ.
وَإِذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَعْمَلَ لَهُ عَمَلَ الْيَوْمِ إلَى اللَّيْلِ بِدِرْهَمٍ خِيَاطَةً أَوْ صِبَاغَةً، أَوْ خُبْزًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِي قَوْلِهِمَا يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا، وَيَكُونُ الْعَقْدُ عَلَى الْعَمَلِ دُونَ الْيَوْمِ حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْهُ نِصْفَ النَّهَارِ فَلَهُ الْأَجْرُ كَامِلًا، وَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ فِي الْيَوْمِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَهُ فِي الْغَدِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْعَمَلُ وَهُوَ مَعْلُومٌ مُسَمًّى وَذِكْرُ الْوَقْتِ لِلِاسْتِعْجَالِ لَا لِتَعْلِيقِ الْعَقْدِ بِهِ فَكَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ عَلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ فِي أَسْرَعِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إنَّمَا يَلْتَزِمُ الْبَدَلَ بِمُقَابَلَةِ مَا هُوَ مَقْصُودٌ لَهُ، وَذَلِكَ الْعَمَلُ دُونَ الْمُدَّةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ جَمَعَ فِي الْعُقْدَتَيْنِ تَسْمِيَةَ الْعَمَلِ وَالْمُدَّةَ وَحُكْمُهُمَا مُخَالِفٌ فَمُوجِبُ تَسْمِيَةِ الْمُدَّةِ اسْتِحْقَاقُ مَنَافِعِهِ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ بِالْعَقْدِ وَمُوجِبُ تَسْمِيَةِ الْعَمَلِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْوَصْفَ الَّذِي يُحْدِثُهُ فِي الْمَعْمُولِ لَا مَنَافِعِهِ وَيَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا اعْتِبَارًا، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِالِاعْتِبَارِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ بِجَهَالَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَقَدْ تُفْضِي هَذِهِ الْجَهَالَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَإِنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَقُولَ مَنَافِعُك فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ حَقِّي بِاعْتِبَارِ تَسْمِيَةِ الْوَقْتِ، وَأَنَا أَسْتَعْمِلُك. وَإِذَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْعَمَلِ فِي الْيَوْمِ فَلِلْأَجِيرِ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ قَدْ انْتَهَى الْعَقْدُ بِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ مَقْصُودَ الْمُسْتَأْجِرِ فَالْمُدَّةُ مَقْصُودُ الْأَجِيرِ فَلَيْسَ الْبِنَاءُ عَلَى مَقْصُودِ أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى مَقْصُودِ الْآخَرِ، وَلِأَنَّ الْأَجِيرَ يَلْتَزِمُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَهُوَ إقَامَةُ جَمِيعِ الْعَمَلِ الْمُسَمَّى فِي الْوَقْتِ الْمُسَمَّى.
وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخِيطَ لَهُ هَذَا الْقَمِيصَ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ قَالَ فِي الْيَوْمِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ بِحَرْفِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute